وتواجهه، وإقامة الانسان نفسه في أمر هي استقامته فيه فافهم.
فقوله: " فاستقم كما أمرت " أي كن ثابتا على الدين موفيا حقه طبق ما أمرت بالاستقامة، وقد أمر به في قوله: " وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين " يونس: 105، وقوله: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " الروم: 30.
قال في روح المعاني: أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالاستقامة مثل الاستقامة التي أمر بها وهذا يقتضي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بوحي آخر ولو غير متلو كما قاله غير واحد، والظاهر أن هذا أمر بالدوام على الاستقامة وهي لزوم المنهج المستقيم وهو المتوسط بين الافراط والتفريط، وهي كلمة جامعة لكل ما يتعلق بالعلم والعمل وسائر الأخلاق. انتهى.
أما احتماله إن يكون هناك وحي آخر غير متلو يشير إليه قوله تعالى: " كما أمرت " أي استقم كما أمرت سابقا بالاستقامة فبعيد عن سنة القرآن وحاشا أن يعتمد بالبيان القرآني على أمر مجهول أو أصل مستور غير مذكور، وقد عرفت أن الإشارة بذلك على ما أمره الله به من إقامة وجهه للدين حنيفا، وإقامة الوجه للدين هو الاستقامة في الدين، وقد ورد قوله: " أقم وجهك للدين " - كما عرفت - في سورتين كلتاهما مكيتان، وسورة يونس التي هي إحداهما نازلة قبل هذه السورة قطعا وإن لم يسلم ذلك في السورة الأخرى التي هي سورة الروم.
وأما قوله: " إن المراد بقوله: " استقم " الدوام على الاستقامة وهي لزوم المنهج المستقيم المتوسط بين الافراط والتفريط " فقد عرفت أن معنى استقامة الانسان في أمر ثبوته على حفظه وتوفية حقه بتمامه وكماله، واستقامة الانسان مطلقا ركوزه وثبوته لما يرد عليه من الوظائف بتمام قواه وأركانه بحيث لا يترك شيئا من قدرته واستطاعته لغي لا أثر له.
ولو كان المراد بالامر بالاستقامة هو الامر بلزوم الاعتدال بين الافراط والتفريط لكان الأنسب أن يردف هذا الامر بالنهي عن الافراط والتفريط معا مع أنه تعالى عقبه بقوله: " ولا تطغوا " فنهى عن الافراط فقط، وهو بمنزلة عطف التفسير لقوله: " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك " وهذا أحسن شاهد على أن المراد بقوله: " فاستقم " الخ