أوردناه، ومن شاء الوقوف عليها فليراجع مطولات التفاسير.
قوله تعالى: " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير " يقال: قام كذا وثبت وركز بمعنى واحد كما ذكره الراغب وغيره، والظاهر أن الأصل المأخوذ به في ذلك قيام الانسان وذلك أن الانسان في سائر حالاته وأوضاعه غير القيام كالقعود والانبطاح والجثو والاستلقاء والانكباب لا يقوى على جميع ما يرومه من الأعمال كالقبض والبسط والاخذ والرد وسائر ما الانسان مهيمن عليه بالطبع لكنه إذا قام على ساقه قياما كان على أعدل حالاته الذي يسلطه على عامة أعماله من ثبات وحركة وأخذ ورد وإعطاء ومنع وجلب ودفع، وثبت مهيمنا على ما عنده من القوى وأفعالها، فقيام الانسان يمثل شخصيته الانسانية بما له من الشؤون.
ثم استعير في كل شئ لأعدل حالاته الذي يسلط معه على آثاره وأعماله فقيام العمود أن يثبت على طوله، وقيام الشجر أن يركز على ساقه متعرقا بأصله في الأرض، وقيام الاناء المحتوي على مائع أن يقف على قاعدته فلا يهراق ما فيه وقيام العدل أن ينبسط على الأرض وقيام السنة والقانون أن تجرى في البلاد.
والإقامة جعل الشئ قائما أي جعله بحال يترتب عليه جميع آثاره بحيث لا يفقد شيئا منها كإقامة العدل وإقامة السنة وإقامة الصلاة وإقامة الشهادة، وإقامة الحدود، وإقامة الدين ونحو ذلك.
والاستقامة طلب القيام من الشئ واستدعاء ظهور عامة آثاره ومنافعه فاستقامة الطريق اتصافه بما يقصد من الطريق كالاستواء والوضوح وعدم إضلاله من ركبه، واستقامة الانسان في أمر ان يطلب من نفسه القيام به واصلاحه بحيث لا يتطرق إليه فساد ولا نقص، ويأتي تاما كاملا، قال تعالى: " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه " حم السجدة: 6 أي قوموا بحق توحيده في الوهيته، وقال: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " حم السجدة: 30 أي ثبتوا على ما قالوا في جميع شؤون حياتهم لا يركنون في عقائدهم وأخلاقهم وأعمالهم إلا إلى ما يوافق التوحيد ويلائمه أي يراعونه ويحفظونه في عامة ما يواجههم في باطنهم وظاهرهم. وقال: " فأقم وجهك للدين حنيفا " الروم: 30 فإن المراد بإقامة الوجه إقامة النفس من حيث تستقبل العمل