وغير ذلك، ويفيد تأكدا لمعنى الشك والظاهر أن مرجع الضمير في قوله: " وإنهم " أمة موسى وهم اليهود، وحق لهم أن يشكوا فيه فإن سند التوراة الحاضرة ينتهي إلى ما كتبه لهم رجل من كهنتهم يسمى عزراء عندما أرادوا أن يرجعوا من بابل بعد انقضاء السبي إلى الأرض المقدسة، وقد أحرقت التوراة قبل ذلك بسنين عند إحراق الهيكل فانتهاء سندها إلى واحد يوجب الريب فيها طبعا ونظيرها الإنجيل من جهة سنده.
على أن التوراة الحاضرة يوجد فيها أشياء لا ترضي الفطرة الانسانية أن تنسبها إلى كتاب سماوي ومقتضاه الشك فيها.
وأما إرجاع الضمير في قوله: " وأنهم " إلى مشركي العرب، وفي قوله: " منه " إلى القرآن كما فعله بعض المفسرين فبعيد من الصواب لان الله سبحانه قد أتم الحجة عليهم في صدر السورة أنه كتابه المنزل من عنده على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وتحدى بمثل قوله: " قل فأتوا بعشر سور من مثله مفتريات " ولا معنى مع ذلك لاسناد شك إليهم.
قوله تعالى: " وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير " لفظه إن هي المشبهة بالفعل واسمها قوله: " كلا " منونا مقطوعا عن الإضافة والتقدير كلهم أي المختلفين، وخبرها قوله: " ليوفينهم " واللام والنون لتأكيد الخبر، وقوله: " لما " مؤلف من لام تدل على القسم وما مشددة تفصل بين اللامين، وتفيد مع ذلك تأكيدا، وجواب القسم محذوف يدل عليه خبر إن.
والمعنى - والله أعلم - وإن كل هؤلاء المختلفين أقسم ليوفينهم ويعطينهم ربك أعمالهم أي جزاءها إنه بما يعملون من أعمال الخير والشر خبير.
ونقل في روح المعاني عن أبي حيان عن ابن الحاجب أن " لما " في الآية هي لما الجازمة وحذف مدخولها شائع في الاستعمال يقال: خرجت ولما، وسافرت ولما. ثم قال: والأولى على هذا أن يقدر: لما يوفوها أي وإن كلا منها لما يوفوا أعمالهم ليوفينهم ربك إياها. وهذا وجه وجيه.
ولأهل التفسير في مفردات الآية ونظمها أبحاث أدبية طويلة لا يهمنا منها أزيد مما