تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٣٦
للدلالة على اختلافها في الكبر والصغر والطول والقصر وتغايرها في السعة والوعي ونسبة السيلان إلى الأودية نسبة مجازية نظير قولنا جرى الميزاب وتوصيف الزبد بالرابي لكونه طافيا يعلو السيل دائما وهذا كله بدلالة السياق وانما مثل بالسيل لان احتمال الزبد الرابي فيه أظهر.
والمعنى انزل الله سبحانه من السماء وهى جهة العلو ماء بالأمطار فسالت الأودية الواقعة في محل الأمطار المختلفة بالسعة والضيق والكبر والصغر بقدرها أي كل بقدره الخاص به فالكبير بقدره والصغير بقدره فاحتمل السيل الواقع في كل واحد من الأودية المختلفة زبدا طافيا عاليا هو الظاهر على الحس يستر الماء سترا.
ثم قال تعالى: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله " من نشوية ما يوقدون عليه أنواع الفلزات والمواد الأرضية القابلة للإذابة المصوغة منها آلات الزينة وأمتعة الحياة التي يتمتع بها والمعنى ويخرج من الفلزات والمواد الأرضية التي يوقدون عليها في النار طلبا للزينة كالذهب والفضة أو طلبا لمتاع كالحديد وغيره يتخذ منه الآلات والأدوات زبد مثل الزبد الذي يربو السيل يطفو على المادة المذابة ويعلوه.
ثم قال تعالى: " كذلك يضرب الله الحق والباطل " أي يثبت الله الحق والباطل نظير ما فعل في السيل وزبده وما يوقدون عليه في النار وزبده.
فالمراد بالضرب والله أعلم نوع من التثبيت من قبيل قولنا ضربت الخيمة أي نصبتها وقوله ضربت عليهم الذلة والمسكنة أي اوقعت وأثبتت وضرب بينهم بسور أي أوجد وبني واضرب لهم طريقا في البحر أي افتح وثبت وإلى هذا المعنى أيضا يعود ضرب المثل لأنه تثبيت ونصب لما يماثل الممثل حتى يتبين به حاله والجميع في الحقيقة من قبيل اطلاق الملزوم وإرادة اللازم فان الضرب وهو ايقاع شئ على شئ بقوة وعنف لا ينفك عادة عن تثبيت أمر في ما وقع عليه الضرب كثبوت الوتد في الأرض بضرب المطرقة وحلول الألم في جسم الحيوان بضربه فقد اطلق الضرب وهو الملزوم وأريد التثبيت وهو الامر اللازم.
ومن هنا يظهر ان قول المفسرين ان في الجملة حذفا أو مجازا والتقدير كذلك يضرب الله مثل الحق والباطل أو مثل الحق ومثل الباطل على اختلاف تفسيرهم في غير محله فإنه تكلف من
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست