تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٢٤
وبالجملة فتسمية سقوط ظلال الأشياء بالغدو والاصال على الأرض سجودا منها لله سبحانه مبنية على تمثيلها في هذه الحال معنى السجدة الذاتية التي لها في ذواتها بمثال حسي ينبه الحس لمعنى السجدة الذاتية ويسهل للفهم البسيط طريق الانتقال إلى تلك الحقيقة العقلية.
هذا هو الذي يعطيه التدبر في كلامه تعالى واما حمل هذه المعاني على محض الاستعارة الشعرية أو جعلها مجازا مثلا يراد به انقياد الأشياء لامره تعالى بمعنى انها توجد كما شاء أو القول بان المراد بالظل هو الشخص فان من يسجد يسجد ظله معه فان هذه معان واهية لا ينبغي الالتفات إليها.
قوله تعالى: " قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا " الآية بما تشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتجاج على المشركين بمنزلة الفذلكة من الآيات السابقة.
وذلك أن الآيات السابقة تبين بأوضح البيان ان تدبير السماوات والأرض وما فيهما من شئ إلى الله سبحانه كما أن خلقها منه وانه يملك ما يفتقر إليه الخلق والتدبير من العلم والقدرة والرحمة وان كل من دونه مخلوق مدبر لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وينتج ذلك أنه الرب دون غيره.
فامر تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ان يسجل عليهم نتيجة بيانه السابق ويسألهم بعد تلاوة الآيات السابقة عليهم الكاشفة عن وجه الحق لهم بقوله: " من رب السماوات والأرض " أي من هو الذي يملك السماوات والأرض وما فيهما ويدبر أمرها؟ ثم امره ان يجيب هو نفسه عن السؤال ويقول الله لانهم وهم مشركون معاندون يمتنعون عن الاقرار بتوحيد الربوبية وفي ذلك تلويح إلى انهم لا يعقلون حجة ولا يفقهون حديثا.
ثم استنتج بمعونة هذه النتيجة نتيجة ثانية بها يتضح بطلان شركهم أوضح البيان وهى ان مقتضى ربوبيته تعالى الثابتة بالحجج السابقة انه هو المالك للنفع والضرر فكل من دونه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف لغيره؟ فاتخاذ أرباب من دون الله أي فرض أولياء من دونه يلون أمر العباد ويملكون لهم نفعا وضرا في الحقيقة فرض لأولياء ليسوا بأولياء لانهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فكيف يملكون لغيرهم ذلك؟
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست