تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٠١
وقال الراغب في المفردات المثلة نقمة تنزل بالانسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال وجمعه مثلات ومثلات أي بضم الميم أو فتحها وضم الثاء وقد قرئ من قبلهم المثلات والمثلات باسكان الثاء على التخفيف نحو عضد وعضد انتهى.
وقوله " يستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " ضمير الجمع للذين كفروا المذكورين في الآية السابقة والمراد باستعجالهم بالسيئة قبل الحسنة سؤالهم نزول العذاب إليهم استهزاء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل سؤال الرحمة والعافية والدليل عليه قوله " وقد خلت من قبلهم المثلات " والجملة في موضع الحال فان المراد به العقوبات النازلة على الأمم الماضين القاطعة لدابرهم.
والمعنى يسألك الذين كفروا ان تنزل عليهم العقوبة الإلهية قبل الرحمة والعافية بعد ما سمعوك تنذرهم بعذاب الله استهزاء وهم على علم بالعقوبات النازلة قبلهم على الأمم الماضين الذين كفروا برسلهم والآية في مقام التعجيب.
وقوله " وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وان ربك لشديد العقاب " استئناف أو في موضع الحال ويفيد بيان السبب في كون استعجالهم أمرا عجيبا أي ان ربك ذو رحمة واسعة تسع الناس في جميع أحوالهم حتى حال ظلمهم وذو غضب شديد وقد سبقت رحمته غضبه فما بالهم يعرضون عن وسيع رحمته ومغفرته ويسألون شديد عقابه وهم مستعجلون؟
ان ذلك لعجيب.
ويظهر من هذا المعنى الذي يعطيه السياق اولا: ان التعبير عنه تعالى بقوله ربك انما هو للدلالة على كونهم مشركين وثنيين لا يأخذونه تعالى ربا بل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يأخذه ربا من بين قومه.
وثانيا: ان المراد بالمغفرة والعقاب هو الأعم من المغفرة والعقوبة الدنيويتين فان المشركين انما كانوا يستعجلون بالسيئة والعقوبة الدنيويتين والمثلات التي يذكر الله تعالى انها خلت من قبلهم انما هي العقوبات الدنيوية النازلة عليهم.
على أن العفو والمغفرة لا يختصان بما بعد الموت أو بيوم القيامة ولا ان آثارهما تختص بذلك وقد تقدم ذلك مرارا فله تعالى ان يبسط مغفرته على كل من شاء حتى على الظالم حين هو ظالم فيغفر له مظلمته ان اقتضته الحكمة وله ان يعاقب قال تعالى: " ان تعذبهم فإنهم
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»
الفهرست