تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٩٨
فلما اتضح ذلك واستنار تمهدت الطريق لذكر شبه الكفار فيما يرجع إلى الأصول الثلاثة فأشار في هذه الآية إلى شبهتهم في البعث وسيتعرض لشبههم وأقاويلهم في الرسالة والتوحيد في الآيات التالية.
وشبهتهم في ذلك قولهم " أإذا كنا ترابا أإنا لفى خلق جديد " اورده بعنوان انه عجب احرى به ان يتعجب منه لظهور بطلانه وفساده ظهورا لا مسوغ لانسان سليم العقل ان يرتاب فيه فلو تفوه به انسان لكان من موارد العجب فقال " وان تعجب فعجب قولهم " الخ.
ومعنى الجملة على ما يرشد إليه حذف متعلق تعجب ان تحقق منك تعجب ولا محالة يتحقق لان الانسان لا يخلو منه فقولهم هذا عجيب يجب ان يتعلق به تعجبك فالتركيب كناية عن وجوب التعجب من قولهم هذا لكونه قولا ظاهر البطلان لا يميل إليه ذو لب وحجى.
وقولهم " أإذا كنا ترابا أإنا لفى خلق جديد " مرادهم من التراب بقرينة السياق ما يصير إليه بدن الانسان بعد الموت من صورة التراب وينعدم عند ذلك الانسان الذي هو الهيكل اللحمي الخاص المركب من أعضاء خاصة المجهز بقوى مادية على زعمهم وكيف يشمل الخلقة أمرا منعدما من أصله فيعود مخلوقا جديدا؟
ولشبهتهم هذه جهات مختلفة أجاب الله سبحانه في كلامه عن كل واحدة منها بما يناسبها ويحسم مادتها فمنها استبعاد ان يستحيل التراب انسانا سويا وقد أجيب عنه بان امكان استحالة المواد الأرضية منيا ثم المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة بدن انسان سوي ووقوع ذلك بعد امكانه لا يدع ريبا في جواز صيرورة التراب ثانيا انسانا سويا قال تعالى: " يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة " الآية الحج: 5.
ومنها استبعاد ايجاد الشئ بعد عدمه وأجيب بأنه مثل الخلق الأول فليجز كما جاز قال تعالى: " وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحى العظام وهى رميم قل يحييها
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»
الفهرست