تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٩٥
وقد ظهر مما تقدم ان الآية انما سيقت حجة لتوحيد الربوبية لا لاثبات الصانع أو توحيد الذات وملخصها ان اختلاف الآثار في الأشياء مع وحدة الأصل يكشف عن استنادها إلى سبب وراء الطبيعة المشتركة المتحدة وانتظامها عن مشيته وتدبيره فالمدبر لها هو الله سبحانه وهو ربها لا رب غيره فما يتراءى من المفسرين ان الآية مسوقة لاثبات الصانع في غير محله.
على أن الآيات على ما يظهر من سياقها مسوقة للاحتجاج على الوثنيين وهم انما ينكرون وحدة الربوبية ويثبتون أربابا شتى ويعترفون بوحدة ذات الواجب الحق عز اسمه فلا معنى للاحتجاج عليهم بما ينتج ان للعالم صانعا وقد تنبه به بعضهم فذكر ان الآية احتجاج على دهرية العرب المنكرين لوجود الصانع وهو مردود بأنه لا دليل من ناحية سياق الآيات يدل على ما ادعاه.
وظهر أيضا ان الفرق بين الحجتين أعني ما في قوله " وهو الذي مد الأرض " الخ وما في قوله " وفى الأرض قطع متجاورات " الخ ان الأولى تسلك من طريق الوحدة في الكثرة والارتباط والاتصال في التدبير المتعلق بهذه الأشياء المختلفة وذلك يؤدى إلى وحدة مدبرها والثانية تسلك من طريق الكثرة في الوحدة واختلاف الآثار والخواص في الأشياء التي لها أصل واحد وذلك يكشف عن أن المبدء المفيض لهذه الآثار والخواص المختلفة المتفرقة أمر وراء طبائعها وسبب فوق هذه الأسباب الراجعة إلى أصل واحد وهو رب الجميع لا رب غيره.
واما الحجة الأولى المذكورة قبل الحجتين أعني ما في قوله تعالى " الله الذي رفع السماوات " الخ فهى كالسالكة من المسلكين معا فإنها تذكر التدبير وفيه توحيد الكثير وجمع متفرقات الأمور والتفصيل وفيه تكثير الواحد وتفريق المجتمعات ومحصلها ان أمر العالم على تشتته وتفرقه تحت تدبير واحد فله رب واحد هو الله سبحانه وانه تعالى يفصل الآيات فيميز كل شئ من كل شئ فيفصل السعيد من الشقى والحق من الباطل وهو المعاد ولذلك استنتج منها الربوبية والمعاد معا إذ قال: " لعلكم بلقاء ربكم توقنون ".
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست