وقوله: " يغشى الليل النهار " أي يلبس ظلمة الليل ضوء النهار فيظلم الهواء بعد ما كان مضيئا وذكر بعضهم ان المراد به اغشاء كل من الليل والنهار غيره وتعقيب الليل النهار والنهار الليل ولا قرينة تدل على ذلك.
ثم ختم الآية بقوله: " ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون " فان التفكر في النظام الجاري عليها الحاكم فيها القاضي باتصال بعضها ببعض وتلاؤم بعضها مع بعض المؤدى إلى توجه المجموع وكل جزء من اجزائها إلى غايات تخصها يكشف عن ارتباطها بتدبير واحد عقلي في غاية الاتقان والاحكام فيدل على أن لها ربا واحدا لا شريك له في ربوبيته عليما لا يعتريه جهل قديرا لا يغلب في قدرته ذا عناية بكل شئ وخاصة بالانسان يسوقه إلى ما فيه سعادته الخالدة.
قوله تعالى: " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " إلى آخر الآية قال الراغب الصنو الغصن الخارج عن أصل الشجرة يقال هما صنوا نخلة وفلان صنو أبيه والتثنية صنوان وجمعه صنوان قال تعالى: " صنوان وغير صنوان انتهى وقال والاكل لما يؤكل بضم الكاف وسكونه قال تعالى: " اكلها دائم والاكلة للمرة والاكلة كاللقمة انتهى.
والمعنى ان من الدليل على أن هذا النظام الجاري قائم بتدبير مدبر وراءه يخضع له الأشياء بطبائعها ويجريها على ما يشاء وكيف يشاء ان في الأرض قطعا متجاورات متقاربة بعضها من بعض متشابهة في طبع ترابها وفيها جنات من أعناب والعنب من الثمرات التي تختلف اختلافا عظيما في الشكل واللون والطعم والمقدار واللطافة والجودة وغير ذلك وفيها زرع مختلف في جنسه وصنفه من القمح والشعير وغير ذلك وفيها نخيل صنوان أي أمثال نابتة على أصل مشترك فيه وغير صنوان أي متفرقة تسقى الجميع من ماء واحد ونفضل بعضها على بعض بما فيه من المزية المطلوبة في شئ من صفاته.
فان قيل هذه الاختلافات راجعة إلى طبائعها الخاصة بكل منها أو العوامل الخارجية التي تعمل فيها فتتصرف في اشكالها وألوانها وسائر صفاتها على ما تقصه الأبحاث العلمية المتعرضة لشؤونها الشارحة لتفاصيل طبائعها وخواصها والعوامل التي تؤثر في كيفية تكونها وتتصرف في صفاتها.