أعمدة كسائر ما يعتمد على عماد لكانت الأعمدة هي الرافعة الممسكة لها من غير حاجة إلى الله سبحانه كما ربما يذهب إليه اوهام العامة ان الذي يستند إلى الله من الأمور هو ما يجهل سببه كالأمور السماوية والحوادث الجوية والروح وأمثال ذلك.
فان كلامه تعالى ينص اولا على أن كل ما يصدق عليه الشئ ما خلا الله فهو مخلوق لله وكل خلق وامر لا يخلو عن الاستناد إليه كما قال تعالى: " الله خالق كل شئ " الرعد:
16 وقال: " الا له الخلق والامر " الأعراف: 54.
وثانيا على أن سنة الأسباب جارية مطردة وانه تعالى على صراط مستقيم فلا معنى لكون حكم الأسباب جاريا في بعض الأمور الجسمانية غير جار في بعض واستناد بعض الحوادث كالحوادث الأرضية إليه تعالى بواسطة الأسباب واستناد بعضها الاخر كالأمور السماوية مثلا إليه تعالى بلا واسطة فان قام سقف مثلا على عمود فقد قام بسبب خاص به بإذن الله وان قام جرم سماوي من غير عمود يقوم عليه فقد قام أيضا بسبب خاص به كطبيعته الخاصة أو التجاذب العام مثلا بإذن الله.
بل انما قيد رفع السماوات بقوله بغير عمد ترونها لتنبيه فطرة الناس وايقاظها لتنتزع إلى البحث عن السبب وينتهى ذلك لا محالة إلى الله سبحانه وقد سلك نظير هذا المسلك في قوله في الآية التالية " وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا " على ما سنوضحه.
ولما كان المطلوب في المقام على ما يهدى إليه سياق الآيات هو توحيد الربوبية وبيان ان الله سبحانه رب كل شئ لا رب سواه لا أصل اثبات الصانع عقب قوله: " رفع السماوات " الخ بقوله ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر الخ الدال على التدبير العام المتحد باتصال بعض اجزائه ببعض ليثبت به ان رب الجميع ومالكها المدبر لأمرها واحد.
وذلك أن الوثنية الذين يناظرهم القرآن لا ينكرون ان خالق الكل وموجده واحد لا شريك له في ايجاده وابداعه وهو الله سبحانه وانما يرون انه فوض تدبير كل شأن من شؤون الكون ونوع من أنواعه كالأرض والسماء والانسان والحيوان والبر والحرب والسلم والحياة والموت إلى واحد من الموجودات القوية فينبغي ان يعبد ليجلب بها خيره