تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٩١
الرواسي جمع راسية من رسى إذا ثبت وقر والمراد بها الجبال لثباتها في مقرها والزوج خلاف الفرد ويطلق على مجموع الامرين وعلى أحدهما فهما زوج وهما زوجان وربما يقيد الزوجان باثنين تأكيدا للدلالة على أن المراد هو اثنان لا أربعة كما في الآية.
وقوله: " هو الذي مد الأرض " أي بسطها بسطا صالحا لان يعيش فيه الحيوان وينبت فيه الزرع والشجر والكلام في نسبة مد الأرض إليه تعالى وكونه كالتوطئة والتمهيد لما يلحق به من قوله وجعل فيها رواسي وأنهارا " الخ نظير الكلام في قوله في الآية السابقة " الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ". وقوله وجعل فيها رواسي وأنهارا الضمير للأرض والكلام مسوق بحيث يستتبع بعض اجزائه بعضا والغرض والله أعلم بيان تدبيره تعالى أمر سكنة الأرض من انسان وحيوان في حركته لطلب الرزق وسكونه للارتياح فقد مد الله سبحانه الأرض ولولا ذلك لم يصلح لبقاء نوع الانسان والحيوان ولو كانت ممدودة فحسب من غير ارتفاع وانخفاض في سطحها لم تصلح لظهور ما ادخر فيها من خزائن الماء على سطحها لشرب الزروع والبساتين فجعل سبحانه فيها الجبال الرواسي وادخر فيها ما ينزل على الأرض من ماء السماء وشق من اطرافها انهارا وفجر منها عيونا مطلة على السهل تسقى الزروع والجنان فيخرج به ثمرات مختلفة حلوة ومرة صيفية وشتوية برية وأهلية وسلط على وجه الأرض الليل والنهار وهما عاملان قويان في رشد الاثمار والفواكه بتسليط الحرارة والبرودة المؤثرتين في النضج والنمو والانبساط والانقباض وتسليط الضوء والظلمة النظامين لحركة الدواب والانسان وسعيهما في طلب الرزق وسكونهما للنوم والرقدة.
فمد الأرض يسهل الطريق لجعل الجبال الرواسي وذلك لشق الأنهار وذلك لجعل الثمرات المزدوجة المختلفة وبالليل والنهار يتم المطلوب وفى ذلك كله تدبير متصل متحد يكشف عن مدبر حكيم واحد لا شريك له في ربوبيته وان في ذلك لايات لقوم يتفكرون.
وقوله " ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين " أي ومن جميع الثمرات الممكنة الكينونة جعل في الأرض انواعا متخالفة نوعا يخالف آخر كالصيفي والشتوي
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»
الفهرست