تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٩
لموصوفيهما أو ثابتان بإرادة أزلية لا يتخلف مرادها عنها أو يثبتان لهما عن اكتساب وعمل مع كون الموضوعين خاليين عنهما بالنظر إلى ذاتهما؟ فلا نظر في الآية إلى شئ من ذلك غير أن وقوع الآية في سياق الدعوة إلى الايمان والعمل الصالح، والندب إلى اختيار الطاعة وترك المعصية يدل على تيسير سبيل الوصول إلى السعادة كما قال تعالى: " ثم السبيل يسره " عبس: 20.
وبذلك يظهر فساد ما استفاده بعضهم من الآية من لزوم السعادة والشقاوة للانسان من حكمه تعالى في الآية بذلك، قال الرازي في تفسيره في ذيل الآية: اعلم أنه تعالى حكم الآن على بعض أهل القيامة بأنه سعيد وعلى بعضهم بإنه شقي، ومن حكم الله عليه بحكم وعلم منه ذلك الامر امتنع كونه بخلافه. والا لزم أن يصير خبر الله تعالى كذبا وعلمه جهلا، وذلك محال فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا، وأن الشقي لا ينقلب سعيدا.
قال: وروي عن عمر أنه قال: لما نزل قوله تعالى: " فمنهم شقي وسعيد " قلت:
يا رسول الله فعلى ما ذا نعمل؟ على شئ قد فرغ منه أم على شئ لم يفرع منه فقال:
على شئ قد فرغ منه يا عمر وجفت به الأقلام وجرت به الاقدار ولكن كل ميسر لما خلق له. قال: وقالت المعتزلة: روي عن الحسن أنه قال: فمنهم شقي بعمله وسعيد بعمله. قلنا الدليل القاطع لا يدفع بهذه الروايات.
وأيضا فلا نزاع أنه إنما شقي بعمله وإنما سعد بعمله ولكن لما كان ذلك العمل حاصلا بقضاء الله وقدره كان الدليل الذي ذكرناه باقيا. انتهى.
وهو من عجيب المغالطة أما الذي سماه دليلا قاطعا فقد غالط فيه بأخذ زمان الحكم زمانا لنتيجته وأثره فمن البديهي أن الحكم الحق الآن باتصاف موضوع ما بصفة في المستقبل لا يستلزم الاتصاف بها إلا في المستقبل لا في زمان الحكم القائم بالحاكم وهو الآن كما أن حكمنا في الليل بأن الهواء مضئ بعد كم ساعة - وهو حكم حق - لا يوجب إضاءة الهواء ليلا. وحكمنا بأن الصبي سيصبح شيخا فانيا بعد ثمانين سنة، لا يستدعي كونه شيخا فانيا في زمان الحكم.
فقوله: " فمنهم شقي وسعيد " وهو خبر منه تعالى بأن جماعة منهم أشقياء يوم القيامة وآخرون سعداء يوم القيامة إن كان حكما بشقاوتهم وسعادتهم كذلك فإنما هو حكم صادر منه في هذا الآن بأنهم كذا وكذا يوم القيامة ومن المسلم أنه لا يتغير عما هو عليه في
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست