تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٨٥
والسورة مكية كلها على ما يدل عليه سياق آياتها وما تشتمل عليه من المضامين ونقل عن بعضهم انها مكية الا آخر آية منها فإنها نزلت بالمدينة في عبد الله بن سلام وعزى ذلك إلى الكلبي ومقاتل ويدفعه انها مختتم السورة قوبل بها ما في مفتتحها من قوله: " والذي انزل إليك من ربك الحق ".
وقيل إن السورة مدنية كلها الا آيتين منها وهما قوله: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية والآية التي بعدها ونسب ذلك إلى الحسن وعكرمة وقتادة ويدفعه سياق الآيات بما تشتمل عليه من المضامين فإنها لا تناسب ما كان يجرى عليه الحال في المدينة وبعد الهجرة.
وقيل إن المدني منها قوله تعالى: " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " الآية والباقي مكي وكان القائل اعتمد في ذلك على قبولها الانطباق على أوائل حال الاسلام بعد الهجرة إلى الفتح وسيأتي في بيان معنى الآية ما يتضح به اندفاعه.
قوله تعالى: " المر تلك آيات الكتاب والذي انزل إليك من ربك الحق " الخ الحروف المصدرة بها السورة هي مجموع الحروف التي صدرت بها سور " ألم " وسور " الر " كما أن المعارف المبينة في السورة كأنها المجموع من المعارف المعنية في ذينك الصنفين من السور وفي الرجاء ان نشرح القول في ذلك فيما سيأتي إن شاء الله العزيز.
وقوله: " تلك آيات الكتاب " ظاهر سياق الآية وما يتلوها من الآيات الثلاث على ما بها من الاتصال وهى تعد الآيات الكونية من رفع السماوات ومد الأرض وتسخير الشمس والقمر وغير ذلك الدالة على توحيد الله سبحانه الذي يفصح عنه القرآن الكريم وتندب إليه الدعوة الحقة وهى تذكر ان التدبر في تفصيلها والتفكر فيها يورث اليقين بالمبدء والمعاد والعلم بان الذي انزل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق.
فظاهر ذلك كله ان يكون المراد بالآيات المشار إليها بقوله " تلك آيات الكتاب " الموجودات الكونية والأشياء الخارجية المسخرة في النظام العام الإلهي والمراد بالكتاب هو مجموع الكون الذي هو بوجه اللوح المحفوظ أو المراد به القرآن الكريم بما يشتمل على الآيات الكونية بنوع من العناية والمجاز.
وعلى هذا يكون في الآية إشارة إلى نوعين من الدلالة وهما الدلالة الطبيعية التي تتلبس
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست