تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٨٧
وتنظيم النظام وتسخير الشمس والقمر وتدبير الامر وتفصيل الآيات فهو تعالى رب الكل لا رب غيره.
فقوله " الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها " رفع السماوات هو فصلها من الأرض فصلا يتسلط به على الأرض بالقاء أشعتها وانزال أمطارها وصواعقها عليها وغير ذلك فهى مرفوعة على الأرض من غير عمد محسوسة للانسان تعتمد عليها فعلى الانسان ان يتفطن ان لها رافعا حافظا لها ان تتحول من مكانها ممسكا لها ان تزول من مستقرها.
وذلك أن استقرار السماوات في رفيع مستقرها من غير عمد وان لم يكن بأعجب من استقرار الأرض في مستقرها وهما محتاجتان في ذلك إليه تعالى قائمتان مقامهما بقدرته وارادته ذلك من طريق أسباب مختصة بهما باذنه تعالى ولو كانت السماوات مرفوعة معتمدة على عمد منصوبة لم يغنها ذلك عن الحاجة إليه تعالى والافتقار إلى قدرته وارادته فالاشياء كلها في حالاتها محتاجة إليه تعالى احتياجا مطلقا لا يزول عنها ابدا ولا في حال.
لكن الانسان في عين انه يرى قانون العلية الكلى ويذعن بحاجة الحوادث إلى علل موجدة وفي فطرته البحث عن علل الحوادث والأمور الممكنة إذا وجد بعض الحوادث مقرونا بعلله وتكرر ذلك على حسه اقنعه ذلك ولم يتعجب من مشاهدته على حاله ولا بحث عنه فإذا رأى الاجرام الثقيلة تسقط على الأرض ثم وجد سقفا مرتفعا عن الأرض لا تسقط عليها تعجب وبحث عن ذلك حتى يحصل على أركان أو أعمدة يقوم عليها السقف وعند ذلك مع ما فيه من التكرر على الحس تقف نفسه عن البحث في كل مورد يشاهد فيه شيئا رفيعا معتمدا على أعمدة أو أركان.
أما إذا وجد أمرا يخرق هذه العادة المألوفة له كالأجرام العلوية القائمة على سمكها من غير عماد تعتمد عليه والطير الصافات ويقبضن فعند ذلك تنتزع نفسه إلى البحث عن السبب الفاعل له كالمتنبه من رقدته.
فقوله تعالى: " رفع السماوات بغير عمد ترونها " انما وصف السماوات فيه بقوله بغير عمد ترونها لا للدلالة على نفى مطلق العماد عنها على أن يكون قوله: " ترونها " وصفا توضيحيا لا مفهوم له أو الدلالة على نفى العماد المحسوس فيفيد على التقديرين انها لما لم تكن لها عمد كان الله سبحانه هو الرافع الممسك لها من غير توسيط سبب ولو كانت لها
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»
الفهرست