تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٨
أن سبب الالجاء يوم القيامة مشاهدة أهواله فإن الناس ملجؤن عند مشاهدة الأهوال إلى الاعتراف والاقرار وقول الصدق واتباع الحق، وقد قدمنا أن السبب في ذلك كون الظرف ظرف جزاء لا عمل وبروز الحقائق عند ذلك.
قوله تعالى: " فمنهم شقي وسعيد " السعادة والشقاوة متقابلان فسعادة كل شئ أن ينال ما لوجوده من الخير الذي يكمل بسببه ويلتذ به فهي في الانسان - وهو مركب من روح وبدن - أن ينال الخير بحسب قواه البدنية والروحية فيتنعم به ويلتذ، وشقاوته أن يفقد ذلك ويحرم منه، فهما بحسب الاصطلاح من العدم والملكة، والفرق بين السعادة والخير أن السعادة هي الخير الخاص بالنوع أو الشخص والخير أعم.
وظاهر قوله تعالى: " فمنهم شقي وسعيد " لا تفيد حصر أهل الجمع في الفريقين.
وهو الملائم ظاهرا لتقسيمه تعالى الناس إلى مؤمن وكافر ومستضعف كالأطفال والمجانين وكل من لم تتم عليه الحجة في الدنيا إلا أن الغرض المسرودة له الآيات ليس بيان أصناف الناس بحسب العمل والاستحقاق بل من حيث شأن هذا اليوم وهو أنه يوم مجموع له الناس ويوم مشهود لا يتخلف عنه أحد، وانه ينتهي إلى جنه أو نار.
والمستضعفون وان كانوا صنفا ثالثا بالنسبة إلى من استحق بعمله الجنة ومن استحق بعمله النار لكن من الضروري أنهم لا يذهبون سدى ولا يدوم عليهم الحال بالابهام والانتظار فهم بالآخرة ملحقون بإحدى الطائفتين: السعداء أو الأشقياء داخلون فيما دخلوا فيه من جنة أو نار، قال تعالى: " وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم " التوبة: 106 ولازم هذا السياق أن ينحصر أهل الجمع في الفريقين: السعداء والأشقياء فما منهم إلا سعيد أو شقي.
فالآية نظير قوله تعالى في موضع آخر: " وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ولو شاء الله لجعلهم أمة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير " الشورى: 8 حيث إن الجملة " فريق في الجنة وفريق في السعير " بمعونة السياق تفيد الحصر وإن كانت وحدها بمعزل من الدلالة.
والذي تدل عليه الآية أن من كان هناك من أهل الجمع إما شقي متصف بالشقاء وإما سعيد متلبس بالسعادة. وأما إن هذين الوصفين بما ذا ثبتا لموضوعيهما؟ وأنهما هل هما ذاتيان
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست