فقوله: " ما كان يغنى عنهم من الله من شئ " أي لم يكن من شان يعقوب أو هذا الامر الذي اتخذه وسيلة لتخلصهم من هذه المصيبة النازلة ان يغنى عنهم من الله شيئا البتة ويدفع عنهم ما قضى الله ان يفارق اثنان منهم جمعهم بل اخذ منهم واحد وفارقهم ولزم ارض مصر آخر وهو كبيرهم.
وقوله: " الا حاجة في نفس يعقوب قضاها " قيل إن الا بمعنى لكن أي لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها الله فرد إليه ولده الذي فقده وهو يوسف.
ولا يبعد ان يكون الا استثنائية فان قوله ما كان " يغنى عنهم من الله من شئ " في معنى قولنا لم ينفع هذا السبب يعقوب شيئا أو لم ينفعهم جميعا شيئا ولم يقض الله لهم جميعا به حاجة الا حاجة في نفس يعقوب وقوله قضاها استئناف وجواب سؤال كأن سائلا يسال فيقول ما ذا فعل بها؟ فأجيب بقوله قضاها.
وقوله " وانه لذو علم لما علمناه " الضمير ليعقوب أي ان يعقوب لذو علم بسبب ما علمناه من العلم أو بسبب تعليمنا إياه وظاهر نسبة التعليم إليه تعالى انه علم موهبي غير اكتسابي وقد تقدم ان اخلاص التوحيد يؤدى إلى مثل هذه العناية الإلهية ويؤيد ذلك أيضا قوله تعالى: " بعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون " إذ لو كان من العلم الاكتسابي الذي يحكم بالأسباب الظاهرية ويتوصل إليه من الطرق العادية المألوفة لعلمه الناس واهتدوا إليه.
والجملة " وانه لذو علم لما علمناه " الخ ثناء على يعقوب (ع) والعلم الموهبي لا يضل في هدايته ولا يخطئ في اصابته والكلام كما يفيده السياق يشير إلى ما تفرس له يعقوب (ع) من البلاء وتوسل به من الوسيلة وحاجته في يوسف في نفسه لا ينساها ولا يزال يذكرها فمن هذه الجهات يعلم أن في قوله: " وانه لذو علم لما علمناه " الخ تصديقا ليعقوب (ع) فيما قاله لبنيه وتصويبا لما اتخذه من الوسيلة لحاجته بأمرهم بما أمر وتوكله على الله فقضى الله له حاجة في نفسه.
هذا ما يعطيه التدبر في سياق الآيات وللمفسرين أقوال عجيبة في معنى الآية كقول بعضهم ان المراد بقوله ما كان يغنى عنهم إلى قوله قضاها انه لم يكن دخولهم كما أمرهم أبوهم يغنى عنهم أو يدفع عنهم شيئا أراد الله ايقاعه بهم من حسد أو إصابة عين