متصف بصفات كريمة يؤمن معها ان يستغش عباده المتوكلين عليه المسلمين له أمورهم فإنه رؤوف بعباده رحيم غفور ودود كريم حكيم عليم ويجمع الجميع انه ارحم الراحمين على أنه لا يغلب في امره لا يقهر في مشيته واما الناس إذا امنوا على أمر واطمئن إليهم في شئ فإنهم اسراء الأهواء وملاعب الهوسات النفسانية ربما اخذتهم كرامة النفس وشيمة الوفاء وصفة الرحمة فحفظوا ما في اختيارهم ان يحفظوه ولا يخونوه وربما خانوا ولم يحفظوا على أنهم لا استقلال لهم في قدرة ولا استغناء لهم في قوة وإرادة.
وبالجملة مراده (ع) ان الاطمئنان إلى حفظ الله سبحانه خير من الاطمئنان إلى حفظ غيره لأنه تعالى ارحم الراحمين لا يخون عبده فيما امنه عليه واطمأن فيه إليه بخلاف الناس فإنهم ربما لم يفوا لعهد الأمانة ولم يرحموا المؤتمن المتوسل بهم فخانوه ولذلك لما كلف بنيه ثانيا ان يؤتوه موثقا من الله قال: " ان تؤتون موثقا من الله لتأتنني به الا ان يحاط بكم " فاستثنى ما ليس في اختيارهم من الحفظ وهو حفظه إذا احيط بهم فإنه فوق استطاعتهم ومقدرتهم وليسوا بمسؤولين عنه وانما سالهم الموثق في اتيانه فيما لا يخرج من اختيارهم كالقتل والنفي ونحو ذلك فافهم ذلك.
ومما تقدم يظهر ان في قوله (ع) وهو ارحم الراحمين نوع تعريض لهم وتلويح إلى انهم لم يستوفوا الرحم أو لم يرحموه أصلا في أمر يوسف حين امنهم عليه والآية على أي حال في معنى الرد لما سألوه.
قوله تعالى: " ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم " إلى آخر الآية البغى هو الطلب ويستعمل كثيرا في الشر ومنه البغى بمعنى الظلم والبغى بمعنى الزنا وقال في المجمع الميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد ويقال مرتهم أميرهم ميرا إذا أتيتهم بالميرة ومثله امترتهم امتيارا انتهى.
وقوله: " يا ابانا ما نبغي " استفهام أي لما فتحوا متاعهم ووجدوا بضاعتهم ردت إليهم وكان ذلك دليلا على اكرام العزيز لهم وانه غير قاصد بهم سوء وقد سلم إليهم الطعام ورد إليهم الثمن فكان ذهابهم إلى مصر للامتيار خير سفر نفعا ودرا راجعوا أباهم وقالوا يا ابانا ما الذي نطلب من سفرنا إلى مصر وراء هذا؟ فقد أو في لنا الكيل ورد إلينا ما بذلناه من البضاعة ثمنا.