وقد تبين بالآية أو لا معنى التوكل وانه تسليط الغير على أمر له نسبة إلى المتوكل والموكل.
وثانيا ان هذه الأسباب العادية لما لم تكن مستقلة في تأثيرها ولا غنية في ذاتها غير مفتقرة إلى ما وراءها كان من الواجب على من يتوسل إليها في مقاصده الحيوية ان يتوكل مع التوسل إليها على سبب وراءها ليتم لها التأثير ويكون ذلك منه جريا في سبيل الرشد والصواب لا ان يهمل الأسباب التي بنى الله نظام الكون عليها فيطلب غاية من غير طريق فإنه من الغي والجهل.
وثالثا ان ذاك السبب الذي يجب التوكل عليه في الأمور هو الله سبحانه وحده لا شريك له فإنه الله لا اله الا هو رب كل شئ وهذا هو المستفاد من الحصر الذي يدل عليه قوله: " وعلى الله فليتوكل المتوكلون " قوله تعالى: " ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شئ الا حاجة في نفس يعقوب قضاها إلى آخر الآية الذي يعطيه سياق الآيات السابقة واللاحقة والتدبر فيها والله أعلم ان يكون المراد بدخولهم من حيث أمرهم أبوهم انهم دخلوا مصر أو دار العزيز فيها من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم حينما ودعوه للرحيل وانما اتخذ يعقوب (ع) هذا الامر وسيلة لدفع ما تفرسه من نزول مصيبة بهم تفرق جمعهم وتنقص من عددهم كما أشير إليه في الآية السابقة لكن اتخاذ هذه الوسيلة وهى الدخول من حيث أمرهم أبوهم لم يكن ليدفع عنهم البلاء وكان قضاء الله سبحانه ماضيا فيهم واخذ العزيز أخاهم من أبيهم لحديث سرقت الصواع وانفصل منهم كبيرهم فبقى في مصر وادى ذلك إلى تفرق جمعهم ونقص عددهم فلم يغن يعقوب أو الدخول من حيث أمرهم من الله من شئ.
لكن الله سبحانه قضى بذلك حاجة في نفس يعقوب (ع) فإنه جعل هذا السبب الذي تخلف عن امره وادى إلى تفرق جمعهم ونقص عددهم بعينه سببا لوصول يعقوب إلى يوسف (ع) فان يوسف اخذ أخاه إليه ورجع سائر الاخوة الا كبيرهم إلى أبيهم ثم عادوا إلى يوسف يسترحمونه ويتذللون لعزته فعرفهم نفسه واشخص أباه وأهله إلى مصر فاتصلوا به.