تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٩
وكان بين دخولهم هذا على أخيهم يوسف وبين انتصابه على خزائن الأرض وتقلده عزة مصر بعد الخروج من السجن أكثر من سبع سنين فإنهم انما جاؤوا إليه في بعض السنين المجدبة وقد خلت السبع السنون المخصبة ولم يروه منذ سلموه إلى السيارة يوم اخرج من الجب وهو صبي وقد مر عليه سنون في بيت العزيز ولبث بضع سنين في السجن وتولى أمر الخزائن منذ أكثر من سبع سنين وهو اليوم في زي عزيز مصر لا يظن به انه رجل عبرى من غير القبط وهذا كله صرفهم عن أن يظنوا به انه أخوهم ويعرفوه لكنه عرفهم بكياسته أو بفراسة النبوة كما قال تعالى: " وجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ".
قوله تعالى: " ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم الا ترون انى أو في الكيل وانا خير المنزلين " قال الراغب في المفردات الجهاز ما يعد من متاع وغيره والتجهيز حمل ذلك أو بعثه انتهى فالمعنى ولما حملهم ما أعد لهم من الجهاز والطعام الذي باعه منهم أمرهم بان يأتوا إليه بأخ لهم من أبيهم وقال ائتوني الخ.
وقوله ألا ترون انى أو في الكيل أي لا أبخس فيه ولا أظلمكم بالاتكاء على قدرتي وعزتي وانا خير المنزلين أكرم النازلين بي وأحسن مثواهم وهذا تحريض لهم ان يعودوا إليه ثانيا ويأتوا إليه بأخيهم من أبيهم كما أن قوله في الآية التالية: " فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون " تهديد لهم لئلا يعصوا امره وكما أن قولهم في الآية الآتية: " سنراود عنه أباه وانا لفاعلون " تقبل منهم لذلك في الجملة وتطييب لنفس يوسف (ع).
ثم من المعلوم ان قوله (ع) أو ان خروجهم " ائتوني بأخ لكم من أبيكم " مع ما فيه من التأكيد والتحريض والتهديد ليس من شأنه ان يورد كلاما ابتدائيا من غير مقدمة وتوطئة تعمي عليهم وتصرفهم ان يتفطنوا أنه يوسف أو يتوهموا فيه ما يريبهم في أمره.
وهو ظاهر. وقد اورد المفسرون في القصة من مفاوضته لهم وتكليمه إياهم أمورا كثيرة لا دليل على شئ منها من كلامه تعالى في سياق القصة ولا اثر يطمأن إليه في أمثال المقام.
وكلامه تعالى خال عن التعرض لذلك، وانما الذي يستفاد منه أنه سألهم عن خطبهم
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست