تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢١٧
بعناية انه اذن في نسبة الأمور إلى مصادرها والافعال إلى فواعلها وملكها إياها بنحو من التمليك وهى فاقدة للأصالة والاستقلال في التأثير والله سبحانه هو السبب المستقل القاهر لكل سبب الغالب عليه فمن الرشد إذا أراد الانسان أمرا وتوصل إليه بالأسباب العادية التي بين يديه ان يرى الله سبحانه هو السبب الوحيد المستقل بتدبير الامر وينفى الاستقلال والأصالة عن نفسه وعن الأسباب التي استعملها في طريق الوصول إليه فيتوكل عليه سبحانه فليس التوكل هو قطع الانسان أو نفيه نسبة الأمور إلى نفسه أو إلى الأسباب بل هو نفيه دعوى الاستقلال عن نفسه وعن الأسباب وارجاع الاستقلال والأصالة إليه تعالى مع ابقاء أصل النسبة غير المستقلة التي إلى نفسه وإلى الأسباب.
ولذلك نرى ان يعقوب (ع) فيما تحكيه الآيات من توكله على الله لم بلغ الأسباب ولم يهملها بل تمسك بالأسباب العادية فكلم اولا بنيه في أخيهم ثم اخذ منهم موثقا من الله ثم توكل على الله وكذا فيما وصاهم في الآية الآتية بدخولهم من أبواب متفرقة ثم توكله على ربه تعالى.
فالله سبحانه على كل شئ وكيل من جهة الأمور التي لها نسبة إليها كما أنه ولى لها من جهة استقلاله بالقيام على الأمور المنسوبة إليها وهى عاجزة عن القيام بها بحول وقوة وانه رب كل شئ من جهة انه المالك المدبر لها.
ومعنى الآية قال يعقوب لبنيه لن أرسله أي أخاكم من أم يوسف معكم حتى تؤتون وتعطوني موثقا من الله أثق به واعتمد عليه من عهد أو يمين لتأتنني به واللام للقسم ولما كان ايتاؤهم موثقا من الله انما كان يمضى ويفيد فيما كان راجعا إلى استطاعتهم وقدرتهم استثنى فقال الا ان يحاط بكم وتسلبوا الاستطاعة والقدرة فلما آتوه موثقهم من الله قال يعقوب الله على ما نقول وكيل أي انا قاولنا جميعا فقلت وقلتم وتوسلنا بذلك إلى هذه الأسباب العادية للوصول إلى غرض نبتغيه فليكن الله سبحانه وكيلا على هذه الأقاويل يجريها على رسلها فمن التزم بشئ فليات به كما التزم وان تخلف فليجازه الله وينتصف منه.
قوله تعالى: " وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة " إلى آخر الآية هذه كلمة ألقاها يعقوب (ع) إلى بنيه حين آتوه موثقا من الله وتجهزوا
(٢١٧)
مفاتيح البحث: السب (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست