تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢١٦
فقولهم يا ابانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا أرادوا به تطييب نفس أبيهم ليرضى بذهاب أخيهم معهم لأنه في امن من العزيز وهم يحفظونه كما وعدوه ولذلك عقبوه بقولهم ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير أي سهل.
وربما قيل إن ما في قوله ما نبغي للنفي أي ما نطلب بما أخبرناك من العزيز واكرامه لنا الكذب فهذه بضاعتنا ردت إلينا وكذا قيل إن اليسير بمعنى القليل أي ان الذي جئنا به إليك من الكيل قليل لا يقنعنا فنحتاج إلى أن نضيف إليه كيل بعير أخينا.
قوله تعالى: " قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به الا ان يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل " الموثق بكسر الثاء ما يوثق به ويعتمد عليه والموثق من الله هو أمر يوثق به ويرتبط مع ذلك بالله وايتاء موثق الهى واعطاؤه هو ان يسلط الانسان على أمر الهى يوثق به كالعهد واليمين بمنزلة الرهينة والمعاهد والمقسم بقوله عاهدت الله ان افعل كذا أو بالله لأفعلن كذا يراهن كرامة الله وحرمته فيضعها رهينة عند من يعاهده أو يقسم له ولو لم يف بما قال خسر في رهينته وهو مسؤول عند الله لا محالة.
والاحاطة من حاط بمعنى حفظ ومنه الحائط للجدار الذي يدور حول المكان ليحفظه والله سبحانه محيط بكل شئ أي مسلط عليه حافظ له من كل جهة لا يخرج ولا شئ من اجزائه من قدرته وأحاط به البلاء والمصيبة أي نزل به على نحو انسدت عليه جميع طرق النجاة فلا مناص له منه ومنه قولهم احيط به أي هلك أو فسد أو انسدت عليه طرق النجاة والخلاص قال تعالى: " وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها " الكهف: 42 وقال: " وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين " يونس: 22 ومنه قوله في الآية " الا ان يحاط بكم " أي ان ينزل بكم من النازلة ما يسلب منكم كل استطاعة وقدرة فلا يسعكم الاتيان به إلي.
والوكالة نوع تسلط على أمر يعود إلى الغير ليقوم به وتوكيل الانسان غيره في أمر تسليطه عليه ليقوم في اصلاحه مقامه والتوكل عليه اعتماده والاطمئنان إليه في أمر وتوكيله تعالى والتوكل عليه في الأمور ليس بعناية انه خالق كل شئ ومالكه ومدبره بل
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»
الفهرست