من غير أن يتعدى إلى نفوس الآخرين ورحالهم ثم للمسروق منه ان يملك السارق نفسه يفعل به ما يشاء.
قوله تعالى: " فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه " فيه تفريع على ما تقدم أي اخذ بالتفتيش والفحص بالبناء على ما ذكروه من الجزاء فبدأ بأوعيتهم وظروفهم قبل وعاء أخيه للتعمية عليهم حذرا من أن يتنبهوا ويتفطنوا انه هو الذي وضعها في رحل أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه وعند ذلك استقر الجزاء عليه لكونها في رحله.
قوله تعالى: " كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك الا ان يشاء الله " إلى آخر الآية الإشارة إلى ما جرى من الامر في طريق اخذ يوسف (ع) أخاه لأمه من عصبة اخوته وقد كان كيدا لأنه يوصل إلى ما يطلبه منهم من غير أن يعلموا ويتفطنوا به ولو علموا لما رضوا به ولا مكنوه منه وهذا هو الكيد غير أنه كان بإلهام من الله سبحانه أو وحى منه إليه علمه به طريق التوصل إلى اخذ أخيه ولذلك نسب الله سبحانه ذلك إلى نفسه مع توصيفه بالكيد فقال كذلك كدنا ليوسف.
وليس كل كيد بمنفي عنه تعالى وانما تتنزه ساحة قدسه عن الكيد الذي هو ظلم ونظيره المكر والاضلال والاستدراج وغيرها.
وقوله " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك الا ان يشاء الله " بيان للسبب الداعي إلى الكيد وهو انه كان يريد ان يأخذ أخاه إليه ولم يكن في دين الملك أي سنته الجارية في ارض مصر طريق يؤدى إلى اخذه ولا ان السرقة حكمها استعباد السارق ولذلك كادهم يوسف بأمر من الله بجعل السقاية في رحله ثم اعلام انهم سارقون حتى ينكروه فيسألهم عن جزائه ان كانوا كاذبين فيخبروا ان جزاء السرق عندهم اخذ السارق واستعباده فيأخذهم بما رضوا به لأنفسهم.
وعلى هذا فلم يكن له ان يأخذ أخاه في دين الملك الا في حال يشاء الله ذلك وهو هذا الحال الذي رضوا فيه ان يجازوا بما رضوا به لأنفسهم.