وكان ذلك مكرا منهن بها على ما في طبع أكثر النساء من الحسد والعجب فان المرأة تغلبه العواطف الرقيقة والاحساسات اللطيفة وركوز لطف الخلقة جمال الطبيعة فيها مشعوفة القلب بالزينة والجمال متعلقة الفؤاد برسوم الدلال ويورث ذلك فيها وخاصة في الفتيات اعجابا بالنفس وحسدا للغير.
وبالجملة كان تحديثهن بحديث الحب والمراودة مكرا منهن بالعزيزة وفيه بعض السلوة لنفوسهن والشفاء لغليل صدورهن ولما يرين يوسف ولا شاهدن منه ما شاهدته العزيزة فولها وهتك سترها وانما كن يتخيلن شيئا ويقاسن قياسا وأين الرواية من الدراية والبيان من العيان.
وشاع التحديث به في المسامرات حق بلغ الخبر امرأة العزيز تلك التي لا هم لها الا ان تفوز في طلب يوسف وبلوغ ما تريد منه ولا تعبؤ في حبه بشئ من الملك والعزة الا لان تتوصل به إلى حبه لها وميله إليها وانجاحه لطلبتها فاستيقظت من رقدتها وعلمت بمكرهن بها فأرسلت إليهن للحضور لديها وانهن سيدات ونساء اشراف المدينة وأركان البلاد ممن له رابطة المعاشرة مع بيت العزيز أو لياقة الحضور فيه.
فتهيأن للحضور وتبرزن بأحسن الجمال وأوقع الزينة على ما هو الدأب في أمثال هذه الاحتفالات من أمثال هؤلاء السيدات وكل تتمنى ان ترى يوسف وتشاهد ما عنده من الحسن الذي أوقع على العزيزة ما أوقع وفضحها.
والعزيزة لا هم لها يومئذ الا ان تريهن يوسف حتى يعذرنه ويشتغلن عنها بأنفسهن فتتخلص من لسانهن فتأمن مكرهن وهى لا تعبؤ بافتتانهن بيوسف ولا تخاف عليه منهن لأنها على ما تزعم مولاته وصاحبته ومالكة امره وهو فتاها المخصوص بها وهى تعلم أن يوسف ليس بالذي يرغب فيهن أو يصبو إليهن وهو لا ينقاد لها فيما تريده منه بما عنده من الاستعصام والاعتزاز عن هذه الأهواء والأميال.
ثم لما حضرن عند العزيزة واخذن مقاعدهن ووقع الانس وجرت المحادثة والمفاوضة واخذن في التفكه آتت كل واحدة منهن سكينا وقد هيئت لهن وقدمت إليهن الفاكهة عند ذلك أمرت يوسف ان يخرج إليهن وقد كان مستورا عنهن.