تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٤٢
نفسه (ع) وطمأنينته وانه لم يحتشم ولم يجزع ولم يتملق حين دعوى براءته مما رمته به إذ كان لم يأت بسوء ولا يخافها ولا ما اتهمته وقد استعاذ بربه حين قال معاذ الله قوله تعالى: " وشهد شاهد من أهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين " إلى آخر الآيتين لما كانت الشهادة في معنى القول كان قوله ان كان قميصه الخ بمنزلة مقول القول بالنسبة إليه فلا حاجة إلى تقدير القول قبل قوله ان كان قميصه الخ وقد قيل إن هذا القول لما ادى مؤدى الشهادة عبر عنه بلفظ الشهادة.
وقد أشار هذا الشاهد إلى دليل ينحل به العقدة ويتضح طريق القضية فتكلم فقال إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين فان من البين ان أحدهما صادق في دعواه والاخر كاذب وكون القد من قبل يدل على منازعتهما ومصارعتهما بالمواجهة فالقضاء لها عليه وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فان كون القد من دبر يدل على هربه منها وتعقيبها إياه واجتذابها له إلى نفسها فالقضاء له عليها وهو ظاهر.
واما من هذا الشاهد؟ فقد اختلف فيه المفسرون فقال بعضهم كان رجلا حكيما أشار للعزيز بما أشار كما عن الحسن وقتادة وعكرمة وقيل كان رجلا وهو ابن عم المرأة وكان جالسا مع زوجها لدى الباب وقيل لم يكن من الانس ولا الجن بل خلقا من خلق الله كما عن مجاهد ورد بمنافاته الصريحة لقوله تعالى: " من أهلها ".
ومن طرق أهل البيت (ع) وبعض طرق أهل السنة انه كان صبيا في المهد من أهلها وسيجئ في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
والذي ينبغي ان ينظر فيه ان الذي اتى به هذا الشاهد بيان عقلي ودليل فكرى يؤدى إلى نتيجة هي القاضية لاحد هذين المتداعيين على الاخر ومثل هذا لا يسمى شهادة عرفا فإنها هي البيان المتعمد على الحس أو ما في حكمه وبالجملة القول الذي لا يعتمد على التفكير والتعقل كما في قوله: " شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم " حم السجدة : 20 وقوله: " قالوا نشهد انك لرسول الله " المنافقون: 1 فان الحكم بصدق الرسالة وان كان في نفسه مستندا إلى التفكر والتعقل لكن المراد بالشهادة تأدية ما عنده من الحق المعلوم قطعا من غير ملاحظة كونه عن تفكر وتعقل كما في موارد يعبر عنه فيها
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست