حق لو كان هذا بشرا وليس به وانما يذم الانسان ويعاب لو ابتلى بهوى بشر ومراودته وكان في وسعه ان يكتفى عنه بما يكافئه ويغنى عنه واما الجمال الذي لا يعادله جمال ويسلب كل حزم واختيار فلا لوم على هواه ولا ذم في غرامه.
ولهذا انقلب المجلس دفعة وانقطعت قيود الاحتشام فانبسطن وتظاهرن بالقول في حسن يوسف وكل تتكلم بما في ضميرها منه وقالت امرأة العزيز: " فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " فأبدت سرا ما كانت تعترف به قبل ثم هددت يوسف تجلدا وحفظا لمقامها عندهن وطمعا في مطاوعته وانقياده: " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ".
واما يوسف فلم يأخذه شئ من تلك الوجوه الحسان بالحاظها الفتانة ولا التفت إلى شئ من لطيف كلامهن ونعيم مراودتهن أو هائل تهديدها فقد كان وجهة نفسه جمال فوق كل جمال وجلال يذل عنده كل عزة وجلال فلم يكلمهن بشئ ولم يلتفت إلى ما كانت امرأة العزيز تسمعه من القول وانما رجع إلى ربه " فقال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن واكن من الجاهلين. " وكلامه هذا إذا قيس إلى ما قاله لامرأة العزيز وحدها في مجلس المراودة " معاذ الله انه ربى أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون " دل بسياقه على أن هذا المقام كان أشق وامر على يوسف (ع) إذ كان بالأمس يقاوم هم امرأة العزيز ويعالج كيدها وحدها وقد توجهت إليه اليوم همهن ومكايدهن جميعا وكان ما بالأمس واقعة في خلوة على تستر منها وهى وهن اليوم متجاهرات في حبه متظاهرات في اغوائه ملجئات على مراودته وجميع الأسباب والمقتضيات اليوم قاضية لهن عليه أشد مما كانت عليه بالأمس.
ولذا تضرع إلى ربه سبحانه في دفع كيدهن ههنا واكتفى بالاستعاذة إليه سبحانه هناك فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم.
ولنرجع إلى البحث عن الآيات.
فقوله تعالى: " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها " الخ النسوة اسم جمع للمرأة وتقييد بقوله في المدينة تفيد انهن كن من جهة العدد أو الشأن بحال تؤثر