تهدد المتخلفين عن السنن والقوانين المتعدين على حقوق ذوي الحقوق وتخوفهم بالسيئة قبال السيئة وباخرى تشوقهم وترغبهم في عمل الخيرات وتضمن اجراء الجميع القوة الحاكمة التي تحكم فيهم وتتسيطر عليهم بالعدل والصدق.
وانما تتحقق هذه الأمنية إذا كانت القوة المجرية للقوانين عالمة بالجرم وقوية على المجرم وأما إذا جهلت ووقع الاجرام على جهل منها أو غفلة وكم له من وجود فلا مانع يمنع من تحققه والقوانين لا أيدي لها تبطش بها وكذا إذا ضعفت الحكومة بفقد القوى اللازمة أو مساهلة في السياسة والعمل فظهر عليها المجرم أو كان المجرم أشد قوة ضاعت القوانين وفشت التخلفات والتعديات على حقوق الناس والانسان كما مر مرارا في المباحث السابقة من هذا الكتاب مستخدم بالطبع يجر النفع إلى نفسه ولو اضر غيره.
ويشتد هذا البلوى إذا تمركزت هذه القوة في القوة المجرية أو من يتولى أزمة جميع الأمور فاستضعف الناس وسلب منهم القدرة على رده إلى العدل وتقويمه بالحق فصار ذا قوة وشوكة لا يقاوم في قوته ولا يعارض في ارادته.
والتواريخ المحفوظة مملوءة من قصص الجبابرة والطواغيت وتحكماتهم الجائرة على الناس وهو ذا نصب أعيننا في أكثر أقطار الأرض.
فالقوانين والسنن وان كانت عادلة في حدود مفاهيمها واحكام الجزاء وان كانت بالغة في شدتها لا تجرى على رسلها في المجتمع ولا تسد باب الخلاف وطريق التخلف الا باخلاق فاضلة انسانية تقطع دابر الظلم والفساد كملكة اتباع الحق واحترام الانسانية والعدالة والكرامة والحياة ونشر الرحمة ونظائرها.
ولا يغرنك ما تشاهده من القوة والشوكة في الأمم الراقية والانتظام والعدل الظاهر فيما بينهم ولم يوضع قوانينهم على أسس أخلاقية حيث لا ضامن لاجرائها فإنهم أمم يفكرون فكرة اجتماعية لا يرى الفرد منهم الا نفع الأمة وخيرها ولا يدفع الا ما يضر أمته ولا هم لامته الا استرقاق سائر الأمم الضعيفة واستدرارهم واستعمار بلادهم واستباحة نفوسهم واعراضهم وأموالهم فلم يورثهم هذا التقدم والرقى الا نقل ما كان يحمله الجبابرة الماضون على الافراد إلى المجتمعات فقامت الأمة اليوم مقام الفرد بالأمس