تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٥٠
وإرادتهن بمفاجأة مشاهدة ذاك الحسن الرائع طبقا للناموس الكونى العام وهو خضوع الصغير للكبير وقهر العظيم للحقير فإذا ظهر العظيم الكبير بعظمته وكبريائه لشعور الانسان قهر سائر ما في ذهنه من المقاصد والأفكار فأنساها وصار يتخبط في أعماله.
ولذلك لما رأينه قهرت رؤيته شعورهن فقطعن أيديهن تقطيعا مكان الفاكهة التي كن يردن قطعها وفي صيغة التفعيل دلالة على الكثرة يقال قتل القوم تقتيلا وموتهم الجدب تمويتا.
وقوله: " وقلن حاش لله " تنزيه لله سبحانه في أمر يوسف وهذا كقوله تعالى: " ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم " النور: 16 وهو من أدب الكلام عند المليين إذا جرى القول في أمر فيه نوع تنزيه وتبرئة لاحد يبدء فينزه الله سبحانه ثم يشتغل بتنزيه من أريد تنزيهه فهن لما اردن تنزيهه (ع) بقولهن ما هذا بشرا الخ بدأن بتنزيهه تعالى ثم أخذن ينزهنه.
وقوله: " ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم " نفى ان يكون يوسف (ع) بشرا واثبات انه ملك كريم وهذا بناء على ما يعتقده المليون منهم الوثنيون ان الملائكة موجودات شريفة هم مبادئ كل خير وسعادة في العالم منهم يترشح كل حياة وعلم وحسن وبهاء وسرور وسائر ما يتمنى ويؤمل من الأمور ففيهم كل جمال صوري ومعنوي وإذا مثلوا تخيلوا في حسن لا يقدر بقدر ويتصوره أصحاب الأصنام في صور انسانية حسنة بهية.
ولعل هذا هو السبب في قولهن: " ان هذا الا ملك كريم " حيث لم يصفنه بما يدل على حسن الوجه وجمال المنظر مع أن الذي فعل بهن ما فعل هو حسن وجهه واعتدال صورته بل سمينه ملكا كريما لتكون فيه إشارة إلى حسن صورته وسيرته معا وجمال خلقه وخلقه وظاهره وباطنه جميعا والله أعلم.
وتقدم قولهن هذا على قول امرأة العزيز: " فذلكن الذي لمتنني فيه " يدل على انهن لم يفهمن بهذا الكلام اعذار لامرأة العزيز في حبها له وتيمها وغرامها به وانما كان ذلك اضطرارا منهن على الثناء عليه واظهارا قهريا لانجذاب نفوسهن وتوله قلوبهن إليه فقد كان فيه فضاحتهن ولم تقل امرأة العزيز فذلكن الذي لمتنني فيه الا بعد ما فضحتهن
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست