تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٩
قال تعالى: " فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملاه " القصص: 32 وقال: " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " النساء: 174 وقال: " أإله مع الله قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين " النمل: 64 وهو الحجة اليقينية التي تجلى الحق ولا تدع ريبا لمرتاب.
والذي رآه يوسف (ع) من برهان ربه وان لم يوضحه كلامه تعالى كل الايضاح لكنه على أي حال كان سببا من أسباب اليقين لا يجامع الجهل والضلال بتاتا ويدل على أنه كان من قبيل العلم قول يوسف (ع) فيما يناجى ربه كما سيأتي: " والا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن واكن من الجاهلين " الآية: 33 من السورة ويدل على أنه ليس من العلم المتعارف بحسن الافعال وقبحها ومصلحتها ومفسدتها ان هذا النوع من العلم قد يجامع الضلال والمعصية وهو ظاهر قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم " الجاثية: 23 وقال: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14.
فالبرهان الذي أراه به وهو الذي يريه الله عباده المخلصين نوع من العلم المكشوف واليقين المشهود تطيعه النفس الانسانية طاعة لا تميل معها إلى معصية أصلا وسنورد فيه بعض الكلام إن شاء الله تعالى.
وقوله: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " اللام في لنصرف للغاية أو التعليل والمال واحد وكذلك متعلق بقوله لنصرف والإشارة إلى ما ذكر من رؤية برهان ربه والسوء هو الذي يسوء صدوره من العبد بما هو عبد وهو مطلق المعصية أو الهم بها والفحشاء هو ارتكاب الأعمال الشنيعة كالزنا وقد تقدم ان ظاهر السياق انطباق السوء والفحشاء على الزنا والهم به.
والمعنى الغاية أو السبب في أن رأى برهان ربه هي ان نصرف عنه الفحشاء والهم بها.
ومن لطيف الإشارة في الآية ما في قوله: " لنصرف عنه السوء والفحشاء " حيث اخذ السوء والفحشاء مصروفين عنه لا هو مصروفا عنهما لما في الثاني من الدلالة على أنه كان فيه ما يقتضى اقترافهما المحوج إلى صرفه عن ذلك وهو ينافي شهادته تعالى بأنه من عباده
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست