وثانيا: انه ليس ممن يوحد الله سبحانه قولا ويشرك به فعلا باعطاء الاستقلال لهذه الأسباب الظاهرة تؤثر ما تؤثر بإذن الله بل هو يرى ما ينسب من جميل الآثار إلى الأسباب فعلا جميلا لله سبحانه في عين هذا الانتساب فيما تراه امرأة العزيز انها هي التي أكرمت مثواه عن وصية العزيز وانها وبعلها ربان له يتوليان امره يرى هو ان الله سبحانه هو الذي أحسن مثواه وانه ربه الذي يتولى تدبير امره فعليه ان يعوذ به.
وثالثا: انه انما تعوذ بالله مما تدعوه إليه لأنه ظلم لا يفلح المتلبس به ولا يهتدى إلى سعادته ولا يتمكن في حضرة الامن عند ربه كما قال تعالى حكاية عن جده إبراهيم (ع):
" الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون " الانعام: 82.
ورابعا انه مربوب أي مملوك مدبر لله سبحانه ليس له من الامر شئ ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله له أو أحب ان يأتي به ولذلك لم يرد ما سألته منه بصريح اللفظ بل بالكناية عنه بقوله " معاذ الله " الخ فلم يقل لا أفعل ما تأمرينني به ولم يقل لا ارتكب كذا ولم يقل أعوذ بالله منك وما يشابه ذلك حذرا من دعوى الحول والقوة واشفاقا من وسمة الشرك والجهالة اللهم الا ما في قوله " انه ربى أحسن مثواي " حيث أشار فيه إلى نفسه مرتين وليس فيه الا تثبيت المربوبية وتأكيد الذلة والحاجة ولهذه العلة بعينها بدل الاكرام احسانا فاتى حذاء قول العزيز أكرمي مثواه بقوله أحسن مثواي لما في الاكرام من الاشعار باحترام الشخصية وتعظيمها.
وبالجملة الواقعة وان كانت مراجعة ومغالبة بين امرأة العزيز ويوسف (ع) بحسب ظاهر الحال فهى كانت تنازعا بين حب وهيمان الهى وعشق وغرام حيواني يتشاجران في يوسف كل منهما يجذبه إلى نفسه وكانت كلمة الله هي العليا فاخذته الجذبة السماوية الإلهية ودافعت عنه المحبة الإلهية والله غالب على امره.
فقوله تعالى: " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه " يدل على أصل المراودة والاتيان بالوصف أعني كونه في بيتها للدلالة على أن الأوضاع والأحوال كانت لها عليه وان الامر كان عليه شديدا وكذا قوله وغلقت الأبواب حيث عبر بالتغليق وهو يدل على المبالغة وعلق الغلق بالأبواب وهو جمع محلى باللام وكذا قوله " وقالت هيت لك " حيث عبر بالامر المولوي الدال على اعمال المولوية والسيادة مع اشعاره بأنها هيأت له