تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٣٣
نعيت على آدم زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذي النون وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد اثنى عليه وسمى مخلصا؟
فعلم بالقطع انه ثبت في ذلك المقام الدحض وانه جاهد نفسه مجاهدة أولى القوة والعزم ناظرا في دليل التحريم ووجه القبح حتى استحق من الله الثناء فيما انزل من كتب الأولين ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصدق لها ولم يقتصر الا على استيفاء قصته وضرب سورة كاملة عليها ليجعل له لسان صدق في الآخرين كما جعله لجده الخليل إبراهيم (ع) وليقتدى به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الازار والتثبت في مواقع العثار.
فأخزى الله أولئك في ايرادهم ما يؤدى إلى أن يكون انزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين ليقتدى بنبي من أنبياء الله في القعود بين شعب الزانية وفي حل تكته للوقوع عليها وفي ان ينهاه ربه ثلاث مرات ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع القرآن وبالتوبيخ العظيم وبالوعيد الشديد وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين سفد غير انثاه وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهى ولا يتنبه حتى يتداركه الله بجبريل وباجباره ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم واحدهم حدقة أجلحهم وجها لقى بأدنى ما لقى به مما ذكروا لما بقى له عرق ينبض ولا عضو يتحرك فيا له من مذهب ما أفحشه ومن ضلال ما أبينه انتهى.
وما أحسن ما قال بعض أهل التفسير في ذم أصحاب هذا القول انهم يتهمونه (ع) في هذه الواقعة وقد شهد ببراءته وطهارته كل من لها تعلق ما بها فالله سبحانه يشهد بذلك إذ يقول " انه من عبادنا المخلصين " والشاهد الذي شهد له من أهلها إذ قال إن كان قميصه قد من قبل إلى آخر الآيتين والعزيز إذ قال لامرأته انه من كيدكن وامرأة العزيز إذ قالت الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين والنسوة إذ قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء ويوسف ينفى ذلك عن نفسه وقد سماه الله صديقا إذ قال انى لم أخنه بالغيب.
وعمدة السبب في تعاطيهم هذا القول أمران أحدهما افراطهم في الركون إلى الآثار وقبول الحديث كيفما كان وان خالف
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست