تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٧
اما الخوف من ظهور الامر فقد مر انه كان في أمن منه ولو كان بدا من ذلك شئ لكان في وسع العزيزة ان تؤوله تأويلا كما فعلت فيما ظهر من أمر مراودتها فكادت حتى أرضت نفس العزيز ارضاء فلم يؤاخذها بشئ وقلبت العقوبة ليوسف حتى سجن.
واما مناعة النسب فلو كانت مانعة لمنعت اخوة يوسف عما هو أعظم من الزنا وأشد اثما فإنهم كانوا أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب أمثال يوسف فلم تمنعهم شرافة النسب من أن يهموا بقتله ويلقوه في غيابت الجب ويبيعوه من السيارة بيع العبيد ويثكلوا فيه أباهم يعقوب النبي (ع) فبكى حتى ابيضت عيناه.
واما قبح الخيانة وحرمتها فهو من القوانين الاجتماعية والقوانين الاجتماعية انما تؤثر اثرها بما تستتبعه من التبعة على تقدير المخالفة وذلك انما يتم فيما إذا كان الانسان تحت سلطة القوة المجرية والحكومة العادلة واما لو أغفلت القوة المجرية أو فسقت فأهملت أو خفى الجرم عن نظرها أو خرج من سلطانها فلا تأثير حينئذ لشئ من هذه القوانين كما سنتكلم فيه عن قريب.
فلم يكن عند يوسف (ع) ما يدفع به عن نفسه ويظهر به على هذه الأسباب القوية التي كانت لها عليه الا أصل التوحيد وهو الايمان بالله وان شئت فقل المحبة الإلهية التي ملأت وجوده وشغلت قلبه فلم تترك لغيرها محلا ولا موضع إصبع فهذا هو ما يفيده التدبر في القصة ولنرجع إلى متن الآية.
فقوله تعالى: " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين " لا ريب ان الآية تشير إلى وجه نجاة يوسف من هذه الغائلة والسياق يعطى ان المراد بصرف السوء والفحشاء عنه انجاؤه مما أريد منه وسئل بالمراودة والخلوة وان المشار إليه بقوله كذلك هو ما يشتمل عليه قوله: " ان رأى برهان ربه ".
فيؤل معنى قوله: " كذلك لنصرف " إلى آخر الآية إلى أنه (ع) لما كان من عبادنا المخلصين صرفنا عنه السوء والفحشاء بما رأى من برهان ربه فرؤية برهان ربه هي السبب الذي صرف الله سبحانه به السوء والفحشاء عن يوسف (ع).
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست