تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١١٨
تولهه في محبة ربه ما هو أعجب.
قوله تعالى: " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين " بلوغ الأشد ان يعمر الانسان ما تشتد به قوى بدنه وتتقوى به أركانه بذهاب آثار الصباوة ويأخذ ذلك من ثمانية عشر من عمره إلى سن الكهولة التي عندها يكمل العقل ويتم الرشد.
والظاهر أن المراد به الانتهاء إلى أول سن الشباب دون التوسط فيه أو الانتهاء إلى آخره كالأربعين والدليل عليه قوله تعالى في موسى (ع): " ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما " القصص: 14 حيث دل على التوسط فيه بقوله: " استوى " وقوله: " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب اوزعنى ان اشكر نعمتك " الآية الأحقاف: 15 فلو كان بلوغ الأشد هو بلوغ الأربعين لم تكن حاجة إلى تكرار قوله بلغ.
فلا مجال لما ذكره بعضهم ان المراد ببلوغ الأشد بلوغ الثلاثين أو الثلاث والثلاثين وكذا ما قاله آخرون ان المراد به بلوغ الأربعين وهو سن الأربعين على أن من المضحك ان تصبر امرأة العزيز عن يوسف مدى عنفوان شبابه وريعان عمره حتى إذا بلغ الأربعين من عمره وأشرف على الشيخوخة تعلقت به وراودته عن نفسه.
وقوله: " آتيناه حكما " الحكم هو القول الفصل وإزالة الشك والريب من الأمور القابلة للاختلاف على ما يتحصل من اللغة ولازمه إصابة النظر في عامة المعارف الانسانية الراجعة إلى المبدأ والمعاد والأخلاق النفسانية والشرائع والآداب المرتبطة بالمجتمع البشرى.
وبالنظر إلى قوله (ع) لصاحبيه في السجن " ان الحكم الا لله " الآية: 40 من السورة وقوله بعد " قضي الامر الذي فيه تستفتيان " الآية: 41 من السورة يعلم أن هذا الحكم الذي اوتيه كان هو حكم الله فكان حكمه حكم الله وهذا هو الذي سأله إبراهيم (ع) من ربه إذ قال: " رب هب لي حكما والحقني بالصالحين " الشعراء: 83.
وقوله " وعلما " وهذا العلم المذكور المنسوب إلى ايتائه تعالى كيفما كان وأي مقدار كان علم لا يخالطه جهل كما أن الحكم المذكور معه حكم لا يخالطه هوى نفساني ولا تسويل شيطاني كيف؟ والذي آتاهما هو الله سبحانه وقد قال تعالى: " والله غالب
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست