تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٨
ولازم ذلك أن يكون الجزاء المقدر لقوله: " لولا أن رأى برهان ربه " هو ارتكاب السوء والفحشاء ولازم ذلك أن يكون لولا أن رأى الخ قيدا لقوله وهم بها وذلك يقتضى ان يكون المراد بهمه بها نظير همها به هو القصد إلى المعصية ويكون حينئذ همه بها داخلا تحت الشرط والمعنى انه لولا أن رأى برهان ربه لهم بها وأوشك ان يرتكب فان لولا وان كانت ملحقة بأدوات الشرط وقد منع النحاة تقدم جزائها عليها قياسا على أن الشرطية الا ان قوله وهم بها ليس جزاء لها بل هو مقسم به بالعطف على قوله: " ولقد همت به " وهو في معنى الجزاء استغنى به عن ذكر الجزاء فهو كقولنا والله لأضربنه ان يضربني والمعنى والله ان يضربني اضربه ومعنى الآية والله لقد همت به والله لولا أن رأى برهان ربه لهم بها وأوشك ان يقع في المعصية وانما قلنا اوشك ان يقع ولم نقل وقع لان الهم كما قيل لا يستعمل الا فيما كان مقرونا بالمانع كقوله تعالى: " وهموا بما لم ينالوا " التوبة: 74 وقوله: " إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا " آل عمران: 122 وقول صخر:
أهم بأمر الحزم لا أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان فلولا ما رآه من البرهان لكان الواقع هو الهم والاقتراب دون الارتكاب والاقتراف وقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله: " لنصرف عنه السوء والفحشاء " ولم يقل لنصرفه من السوء والفحشاء فتدبر فيه.
ومن هنا يظهر ان الأنسب ان يكون المراد بالسوء هو الهم بها والميل إليها كما أن المراد بالفحشاء اقتراف الفاحشة وهى الزنا فهو (ع) لم يفعل ولم يكد ولولا ما أراه الله من البرهان لهم وكاد ان يفعل وهذا المعنى هو الذي يؤيده ما قدمناه من الاعتبار والتأمل في الأسباب والعوامل المجتمعة في هذا الحين القاضية لها عليه.
فقوله تعالى: " ولقد همت به " اللام فيه للقسم والمعنى وأقسم لقد قصدت يوسف بما تريده منه ولا يكون الهم الا بان تشفع الإرادة بشئ من العمل وقوله: " وهم بها لولا أن رأى برهان ربه " معطوف على مدخول لام القسم من الجملة السابقة والمعنى أقسم لولا رؤيته برهان ربه لهم بها وكاد ان يجيبها لما تريده منه.
والبرهان هو السلطان ويراد به السبب المفيد لليقين لتسلطه على القلوب كالمعجزة
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست