تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٢٦
ويؤيد ما ذكرنا أيضا قوله في الآية التالية: " لولا أن رأى برهان ربه ".
قوله تعالى: " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين " التدبر البالغ في أطراف القصة وامعان النظر فيما محتف به الجهات والأسباب والشرائط العاملة فيها يعطى ان نجاة يوسف منها لم تكن الا أمرا خارقا للعادة وواقعة هي أشبه بالرؤيا منها باليقظة.
فقد كان يوسف (ع) رجلا ومن غريزة الرجال الميل إلى النساء وكان شابا بالغا أشده وذلك أو ان غليان الشهوة وثوران الشبق وكان ذا جمال بديع يدهش العقول ويسلب الألباب والجمال والملاحة يدعو إلى الهوى والترح وكان مستغرقا في النعمة وهنئ العيش محبورا بمثوى كريم وذلك من أقوى أسباب التهوس والاتراف وكانت الملكة فتاة فائقة الجمال وكذلك تكون حرم الملوك والعظماء.
وكانت لا محالة متزينة بما يأخذ بمجامع كل قلب وهى عزيزة مصر وهى عاشقة والهة تتوق إليها النفوس وتتوق نفسها إليه وكانت لها سوابق الاكرام والاحسان والانعام ليوسف وذلك كله مما يقطع اللسان ويصمت الانسان وقد تعرضت له ودعته إلى نفسها والصبر مع التعرض أصعب وقد راودته هذه الفتانة واتت فيها بما في مقدرتها من الغنج والدلال وقد الحت عليه فجذبته إلى نفسها حتى قدت قميصه والصبر معها أصعب وأشق وكانت عزيزة لا يرد أمرها ولا يثنى رأيها وهى ربته خصه بها العزيز وكانا في قصر زاه من قصور الملوك ذي المناظر الرائقة التي تبهر العيون وتدعو إلى كل عيش هنئ.
وكانا في خلوة وقد غلقت الأبواب وأرخت الستور وكان لا يأمن الشر مع الامتناع وكان في امن من ظهور الامر وانهتاك الستر لأنها كانت عزيزة بيدها أسباب الستر والتعمية ولم تكن هذه المخالطة فائتة لمرة بل كان مفتاحا لعيش هنئ طويل وكان يمكن ليوسف ان يجعل هذه المخالطة والمعاشقة وسيلة يتوسل بها إلى كثير من آمال الحياة وأمانيها كالملك والعزة والمال.
فهذه أسباب وأمور هائلة لو توجهت إلى جبل لهدته أو أقبلت على صخرة صماء لأذابتها ولم يكن هناك مما يتوهم مانعا الا الخوف من ظهور الامر أو مناعة نسب يوسف أو قبح الخيانة للعزيز.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست