الاختبار، والإشارة بقوله: (هنالك) إلى الموقف الذي ذكره بقوله: (ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم).
فذلك الموقف موقف تختبر وتمتحن كل نفس ما أسلفت وقدمت من الأعمال فتنكشف لها حقيقة أعمالها وتشاهدها مشاهدة عيان لا مجرد الذكر أو البيان، وبمشاهدة الحق من كل شئ عيانا ينكشف أن المولى الحق هو الله سبحانه، وتسقط وتنهدم جميع الأوهام، وتضل جميع الدعاوى التي يفتريها الانسان بأوهامه وأهوائه على الحق.
فهذه الافتراءات والدعاوى جميعا إنما نشأت من حيث الروابط التي نضعها في هذه الدنيا بين الأسباب والمسببات والاستقلال والمولوية التي نعطيها الأسباب ولا إله إلا الله ولا مولى حقا إلا هو سبحانه فإذا انجلت حقيقة الامر، وانكشف غيم الوهم وانهتك حجاب الدعاوى ظهر أن لا مولى حقا إلا هو سبحانه، وبطل جميع الالهة التي إنما أثبتها الافتراء من الانسان، وسقطت وحبطت جميع الأعمال إلا ما عبد به الله سبحانه عبادة حق.
فالفقرات الثلاث من الآية أعني قوله: (تبلوا كل نفس) الخ، وقوله:
(ردوا إلى الله) الخ، وقوله: (وضل عنهم) الخ، كل منها تعين الأخريين على إفادة حقيقة معناها، ومحصل مفاد المجموع ظهور حقيقة الولاية الإلهية يومئذ ظهور عيان وأن ليس لغيره تعالى إلا الفقر والمملوكية المحصنة فيبطل عند ذلك كل دعوى باطلة وينهدم بنيان الأوهام.
كما يشير إلى ذلك قوله: (هنالك الولاية لله الحق) الكهف: 44، وقوله:
(يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) المؤمن: 16، وقوله: (والامر يومئذ لله) الانفطار: 19، إلى غير ذلك.