والعشي - إلى أن قال - قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربى وكذبتم به).
ولك أن تطبق سائر ما ذكر من حججه عليه السلام في سورة نوح والأعراف على ما ذكر من الحجج في سورة الأنعام وفي هذه السورة فتشاهد صدق ما ادعيناه.
ولهذه المشابهة والمناسبة ناسب أن يعطف بعد ذكر حجج نوح عليه السلام في إنذاره قومه بأمر من الله سبحانه على ما اتهموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورموه بالافتراء على الله، وهو لا ينذرهم ولا يلقى إليهم من الحجج إلا كما أنذر به نوح عليه السلام وألقاه من الحجج إلى قومه، وهذا كما ينذر رسول الملك قومه والمتمردين المستنكفين عن الطاعة ويلقى إليهم النصح ويتم عليهم الحجة فيرمونه بأنه مفتر على الملك ولا طاعة ولا وظيفة فيرجع إليهم بالنصح ثانيا، ويذكر لهم قصة رسول ناصح آخر من الملك إلى قوم آخرين نصح لهم بمثل ما نصح هو لهم فلم يتبصروا به فهلكوا فحيثما يذكر لهم حججه ومواعظه يبعثه الوجد والأسف إلى أن يتذكر رميهم إياه بالافتراء فيأسف لذلك قائلا: إنكم ترمونني بالافتراء ولم أذكر لكم إلا ما بثه هذا الرسول في قومه من كلمة الحكمة والنصيحة لا جرم إن افتريته فعلى إجرامي ولا تقبلوا قولي غير أنى برئ من عملكم.
وقد عاد سبحانه إلى الامر بمثل هذه المباراة ثانيا في آخر السورة بعد إيراد قصص عدة من الرسل حيث قال: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك - إلى أن قال - وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون) هود: 122.
وذكر بعض المفسرين أن الآية، من تمام القصة والخطاب فيها لنوح، والمعنى أم يقول قوم نوح افتراه نوح قل يا نوح إن افتريته فعلى إجرامي وأنا برئ مما تجرمون، وعلى هذا فالكلام مشتمل على نوع التفات من الغيبة إلى الخطاب وهذا بعيد عن سياق الكلام غايته.
وفي قوله: (وأنا برئ مما تجرمون) إثبات إجرام مستمر لهم وقد أرسل إرسال المسلمات كما في قوله: (فعلى إجرامي) من إثبات الجرم وذلك أن الذي