والمعنى: واصنع السفينة تحت مراقبتنا الكاملة وتعليمنا إياك ولا تسألني صرف العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا فإنهم مقضى عليهم الغرق قضاء حتم لا مرد له.
قوله تعالى: (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) قال في المجمع: السخرية إظهار خلاف الابطان على وجه يفهم منه استضعاف العقل، ومنه التسخير لتذليل يكون استضعافا بالقهر، والفرق بين السخرية واللعب أن في السخرية خديعة واستنقاصا ولا تكون إلا في الحيوان وقد يكون اللعب بجماد، انتهى.
وقال الراغب في المفردات: سخرت منه واستسخرته للهزء منه قال تعالى:
(إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون) (بل عجبت ويسخرون) وقيل: رجل سخرة - بالضم فالفتح - لمن سخر وسخرة - بالضم فالسكون - لمن يسخر منه، والسخرية - بالضم - والسخرية - بالكسر - لفعل الساخر، انتهى.
وقوله: (ويصنع الفلك) حكاية الحال الماضية يمثل بها ما يجرى على نوح عليه السلام من إيذاء قومه وقيام طائفة منهم بعد طائفة على إهانته والاستهزاء به في عمل السفينة وصبره عليه في جنب الدعوة الإلهية وإقامة الحجة عليهم من غير أن يفشل وينثني.
وقوله: (كلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه) حال من فاعل يصنع والملا ههنا الجماعة الذين يعبأ بهم، وفي الكلام دلالة على أنهم كانوا يأتونه وهو يصنع الفلك جماعة بعد جماعة بالمرور عليه ساخرين، وأنه عليه السلام كان يصنعها في مرأى منهم وممر عام.
وقوله: (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) في موضع الجواب لسؤال مقدر كأن قائلا قال: فما ذا قال نوح عليه السلام؟ فقيل: (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم) ولذا فصل الكلام من غير عطف.
ولم يقل عليه السلام: إن تسخروا منى فإني أسخر منكم ليدفع به عن نفسه وعن عصابة المؤمنين به وكأنه كان يستمد من أهله وأتباعه في ذلك وكانوا يشاركونه في