ويستفاد من الآية أولا: أن الكفار لا يعذبون ما كان الايمان مرجوا منهم فإذا ثبتت فيهم ملكة الكفر ورجس الشرك حق عليهم كلمة العذاب.
وثانيا: أن ما حكاه الله سبحانه من دعاء نوح بقوله: (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عباد ك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) نوح: 27 كان واقعا بين قوله: (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) الخ، وبين قوله: (واصنع الفلك - إلى قوله - إنهم مغرقون).
وذلك لأنه - كما ذكر بعضهم - لا سبيل إلى العلم بعدم إيمان الكفار في المستقبل من طريق العقل وإنما طريقه السمع بالوحي فهو عليه السلام علم أولا من وحيه تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن أن أحدا منهم لا يؤمن بعد ذلك ولا في نسلهم من سيؤمن بالله ثم دعا عليهم بالعذاب وذكر في دعائه ما أوحى إليه فلما استجاب الله دعوته وأراد إهلاكهم أمره عليه السلام باتخاذ السفينة أخبره أنهم مغرقون.
قوله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) الفلك هي السفينة مفردها وجمعها واحد والأعين جمع قلة للعين وإنما جمع للدلالة على كثرة المراقبة وشدتها فإن الجملة كناية عن المراقبة في الصنع.
وذكر الأعين قرينة على أن المراد بالوحي ليس هو هذا الوحي أعني قوله:
(واصنع الفلك) الخ، حتى يكون وحيا للحكم بل وحى في مقام العمل وهو تسديد وهداية عملية بتأييده بروح القدس الذي يشير إليه أن افعل كذا وافعل كذا كما ذكره تعالى في الأئمة من آل إبراهيم عليهما السلام بقوله: (وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) الأنبياء: 73، قد تقدمت الإشارة إليه في المباحث السابقة وسيجئ إن شاء الله في تفسير الآية.
وقوله: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) أي لا تسألني في أمرهم شيئا تدفع به الشر والعذاب وتشفع لهم لتصرف عنهم السوء لان القضاء فصل والحكم حتم وبذلك يظهر أن قوله: (إنهم مغرقون) في محل التعليل لقوله: (ولا تخاطبني) الخ، أو لمجموع قوله: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا) ويظهر أيضا أن قوله: (ولا تخاطبني) الخ، كناية عن الشفاعة