ويقيني من الماء فلا أغرق، قال نوح: لا عاصم اليوم - وهو يوم اشتد غضب الله وقضى بالغرق لأهل الأرض الا من التجأ منهم إلى الله - من الله لا جبل ولا غيره، وحال بين نوح وابنه الموج فكان ابنه من المغرقين ولو لم يحل الموج بينهما ولم ينقطع الكلام بذلك لعرف كفره وتبرأ منه.
وفي الكلام إشارة إلى أن أرضهم كانت أرضا جبلية لا مؤنة زائدة في صعود الانسان إلى بعض جبال كانت هناك.
قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) البلع اجراء الشئ في الحلق إلى الجوف، والاقلاع الامساك وترك الشئ من أصله، والغيض جذب الأرض المائع الرطب من ظاهرها إلى باطنها وهو كالنشف يقال: غاضت الأرض الماء أي نقصته.
والجودي مطلق الجبل والأرض الصلبة، وقيل: هو جبل بأرض موصل في سلسلة جبال تنتهى إلى أرمينية وهى المسماة (آرارات).
وقوله: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي) نداء صادر من ساحة العظمة والكبرياء لم يصرح باسم قائله وهو الله عز اسمه للتعظيم، والامر تكويني تحمله كلمة (كن) الصادرة من ذي العرش تعالى يترتب عليه من غير فصل أن تبتلع الأرض ما على وجهها من الماء المتفجر من عيونها، وأن تكف السماء عن أمطارها.
وفيه دلالة على أن الأرض والسماء كانتا مشتركتين في اطغاء الماء بأمر الله كما يبينه قوله تعالى: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) القمر: 12.
وقوله: (وغيض الماء) أي نقص الماء ونشف عن ظاهر الأرض وانكشف البسيط، وذلك انما يكون بالطبع باجتماع ما يمكن اجتماعه منه في الغدران وتشكيل البحار والبحيرات، وانتشاف ما على سائر البسيطة.
وقوله: (وقضى الامر) أي أنجز ما وعد لنوح عليه السلام من عذاب القوم وأنفذ الامر الإلهي بغرقهم وتطهر الأرض منهم أي كان ما قيل له كن كما قيل