(بيان) تتمة قصة نوح عليه السلام وهى تشتمل على فصول كإخباره عليه السلام بنزول العذاب على قومه، وأمره بصنع الفلك، وكيفية نزول العذاب وهو الطوفان، وقصة ابنه الغريق، وقصة نجاته ونجات من معه لكنها جميعا ترجع من وجه إلى فصل واحد وهو فصل القضاء بينه عليه السلام وبين قومه.
قوله تعالى: (وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) الا بتئاس من البؤس وهو حزن مع استكانة.
وقوله: (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) إيئاس وإقناط له عليه السلام من إيمان الكفار من قومه بعد ذلك، ولذلك فرع عليه قوله: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) لان الداعي إلى أمر إنما يبتئس ويغتم من مخالفة المدعوين وتمردهم ما دام يرجو منهم الايمان والاستجابة لدعوته، وأما إذا يئس من إجابتهم فلا يهتم بهم ولا يتعب نفسه في دعوتهم إلى السمع والطاعة والالحاح عليهم بالاقبال إليه ولو دعاهم بعدئذ فإنما يدعوهم لغرض آخر كإتمام الحجة وإبراز المعذرة.
وعلى هذا ففي قوله: (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) تسلية من الله لنوح عليه السلام وتطيب لنفسه الشريفة من جهة ما في الكلام من الإشارة إلى حلول حين فصل القضاء بينه وبين قومه، وصيانة لنفسه من الوجد والغم لما كان يشاهد من فعلهم به وبالمؤمنين به من قومهم من إيذائهم إياهم في دهر طويل (مما يقرب من ألف سنة) لبث فيه بينهم.
ويظهر من كلام بعضهم أنه استفاد من قوله: (لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) أن من كفر منهم فليس يؤمن بعد هذا الحين أبدا كما أن الذين آمنوا به ثابتون على إيمانهم دائمون عليه. وفيه أن العناية في الكلام إنما تعلقت ببيان عدم إيمان الكفار بعد ذلك فحسب وأما إيمان المؤمنين فلم يعن به إلا بمجرد التحقق سابقا ولا دلالة في الاستثناء على أزيد من ذلك، وأما ثباتهم ودوامهم على الايمان فلا دليل عليه.