الداعي الائس من السمع والطاعة وهو الشر الذي يهددهم به ويذكره وراء نصحه.
قوله تعالى: (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين) لما كان قولهم: (فأتنا بما تعدنا) الخ، طلبا منه أن يأتيهم بالعذاب وليس ذلك إليه فإنما هو رسول، أجاب عن اقتراحهم هذا أيضا - في سياق قصر القلب - أن الاتيان بالعذاب ليس إلى بل إنما هو إلى الله فهو الذي يملك أمركم فيأتيكم بالعذاب الذي وعدتكموه بأمره فهو ربكم واليه مرجع أمركم كله، ولا يرجع إلى من أمر.
التدبير شئ حتى أن وعدى إياكم بالعذاب واقتراحكم على بطلبه لا يؤثر في ساحة كبريائه شيئا فإن يشأ يأتكم به وإن لم يشأ فلا.
ومن هنا يظهر أن قوله عليه السلام: (إن شاء) من ألطف القيود في هذا المقام أفيد به حق التنزيه وهو أن الله سبحانه لا يحكم فيه شئ ولا يقهره قاهر يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء غيره نظير ما سيأتي في آخر السورة من الاستثناء في قوله:
(خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) هود: 108.
وقوله: (وما أنتم بمعجزين) تنزيه آخر لله سبحانه وهو مع ذلك جواب عن الامر التعجيزي الذي ألقوه إليه عليه السلام فإن ظاهره أنهم لا يعبأون بما هددهم به من العذاب كأنهم معجزون لا يقدر عليهم.
قوله تعالى: (ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد ان أغويكم) الخ، قال في المفردات: النصح تجرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه - قال - وهو من قولهم: نصحت له الود أي أخلصته وناصح العسل خالصه أو من قولهم: نصحت الجلد خطته و الناصح الخياط والنصاح الخيط.
وقال أيضا: الغى جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من الانسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا، وقد يكون من اعتقاد شئ فاسد، وهذا النحو الثاني يقال له غي قال تعالى: ما ضل صاحبكم وما غوى، وقال:
وإخوانهم يمدونهم في الغى. انتهى.
وعلى هذا فالفرق بين الاغواء والاضلال أن الاضلال إخراج من الطريق مع