بقاء المقصد في ذكر الضال، والاغواء إخراجه منه مع زواله عن ذكره لاشتغاله بغيره جهلا.
والإرادة والمشية كالمترادفتين، وهى من الله سبحانه تسبيب الأسباب المؤدية لوجود شئ بالضرورة فكون الشئ مرادا له تعالى أنه تمم أسباب وجوده وأكملها فهو كائن لا محالة، وأما أصل السببية الجارية فهى مرادة بنفسها ولذا قيل: خلق الله الأشياء بالمشية والمشية بنفسها.
وبالجملة قوله: (ولا ينفعكم نصحي) الخ، كأحد شقى الترديد والشق الاخر قوله: (وما أنتم بمعجزين) كأنه عليه السلام يقول: أمركم إلى الله إن شاء أن يعذبكم أتاكم بالعذاب ولا يدفع عذابه ولا يقهر مشيته شئ فلا أنتم معجزوه، ولا نصحي ينفعكم إن أردت أن أنصح لكم بعد ما أراد الله أن يغويكم لتكفروا به فيحق عليكم كلمه العذاب، وقيد نصحه بالشرط لانهم لم يكونوا يسلمون له أنه ينصحهم.
والاغواء كالاضلال وإن لم يجز نسبته إليه تعالى إذا كان إغواء ابتدائيا لكنه جائز إذا كان بعنوان المجازاة كأن يعصى الانسان ويستوجب به الغواية فيمنعه الله أسباب التوفيق ويخليه ونفسه فيغوى ويضل عن سبيل الحق، قال تعالى: (يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) البقرة: 26.
وفي الكلام إشارة إلى أن نزول عذاب الاستئصال عليهم مسبوق بالاغواء الإلهي كما يلوح إليه قوله تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) أسرى: 16، وقال: (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول) حم السجدة: 25.
وقوله: (هو ربكم وإليه ترجعون) تعليل لقوله: (ولا ينفعكم نصحي) الخ، أو لقوله: (إنما يأتيكم به الله إن شاء - إلى قوله - يريد أن يغويكم) جميعا ومحصله أن أمر تدبير العباد إلى الرب الذي إليه يرجع الأمور، والله سبحانه هو ربكم وإليه ترجعون فليس لي أن آتيكم بعذاب موعود، وليس لكم أن تعجزوه إن شاء أن يأتيكم بالعذاب فأتاكم به لاستئصالكم وليس لنصحي أن ينفعكم إن أراد هو أن يغويكم ليعذبكم.