وكل من الملك وخدمه وأياديه العمالة ورعاياه وما يدور بأيديهم من النعم وأمتعة الحياة أمر موجود محدود مستقل الوجود منفصلة عن غيره إنما يرتبط بعضهم ببعض بأحكام وقوانين وسنن اصطلاحية لا موطن لها سوى ذهن الذاهن واعتقاد المعتقد.
وقد طبقوا العالم الربوبي أعني ما يخبر به النبوة من مقام الرب تعالى وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله على هذا النظام فهو تعالى يريد ويكره ويعطى ويمنع ويدبر نظام الخلقة كما يفعل ذلك الواحد منا المسمى ملكا، وهو محدود الوجود منعزل الكون وكل من ملائكته وسائر خليقته مستقل الوجود يملك ما عنده من الوجود والنعم الموهوبة دون الله سبحانه، وقد كان تعالى في أزل الزمان وحده لا شئ معه من خلقه ثم أبدع في جانب الأبد الخلق فكانوا معه.
فقد أثبتوا - كما ترى - موجودا محدودا منطبق الوجود على الزمان غير أن وجوده الزماني دائمي، وله قدرة على كل شئ، وعلم بكل شئ، وإرادة لا تنكسر وقضاء لا ترد، يستقل بما عنده من الصفات والأعمال كما يستقل الواحد منا فيملك ما عنده من الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك فحياته حياة له وليست لله، وعلمه علمه لا علم الله، وقدرته قدرته لا قدره الله وهكذا، وإنما يقال لوجودنا أو حياتنا أو علمنا أو قدرتنا إنها لله كما يقال لما عند الرعية من النعمة إنها للملك بمعنى أنها كانت عنده فأخرجها من عنده ووضعها عندنا نتصرف فيها فجميع ذلك - كما ترى - يقوم على أساس المحدودية والانعزال.
لكن البراهين اليقينية تقضى بفساد ذلك كله فإنها تحكم بسريان الفقر والحاجة إلى الموجودات الممكنة في ذواتها وآثار ذواتها وإذا كانت الحاجة إليه تعالى في مقام الذات استحال الاستقلال عنه والانعزال منه على الاطلاق إذ لو فرض استقلال لشئ منه تعالى في وجوده أو شئ من آثار وجوده - بأي وجه فرض في حدوث أو بقاء - استغنى عنه من تلك الجهة وهو محال.
فكل ممكن غير مستقل في شئ من ذاته وآثار ذاته، والله سبحانه هو الذي يستقل في ذاته وهو الغنى الذي لا يفتقر في شئ ولا يفقد شيئا من الوجود و كمال