(أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) سورة محمد:
14 وقد قال تعالى في معناه: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) الانعام: 122.
والظاهر أن المراد بالبينة في المقام هو هذا المعنى الأخير العام بقرينة قوله بعد:
(أولئك يؤمنون به) وإن كان المراد به بحسب المورد هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن الكلام مسوق ليتفرع عليه قوله: (فلا تك في مرية منه).
فالمراد بها البصيرة الإلهية التي اوتيها النبي عليه السلام لا نفس القرآن النازل عليه فإنه لا يحسن ظاهرا ان يتفرع عليه قوله: (فلا تك في مرية منه) وهو ظاهر ولا ينافيه كون القرآن في نفسه بينة من الله من جهة كونه آية منه تعالى كما في قوله:
(قل انى على بينة من ربى وكذبتم به) الانعام: 57، فإن المقام غير المقام.
وبما مر يظهر ان قول من يقول: إن المراد بمن كان الخ، النبي خاصة إرادة استعمالية ليس في محله وإنما هو مراد بحسب انطباق المورد. وكذا قول من قال:
إن المراد به المؤمنون من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا دليل على التخصيص.
ويظهر أيضا فساد القول بأن المراد بالبينة هو القرآن، وكذا القول بأنها حجة العقل وأضيفت إلى الرب تعالى لأنه ينصب الأدلة العقلية والنقلية. ووجه فساده أنه لا دليل على التخصيص ولا تقاس البينة القائمة للنبي عليه السلام من ناحيته تعالى بالتعريف الإلهي القائم لنا من ناحية العقول.
وقوله تعالى: (ويتلوه شاهد منه) المراد بالشهادة تأدية الشهادة التي تفيد صحة الامر المشهود له دون تحملها فإن المقام مقام تثبيت حقية القرآن وهو إنما يناسب الشهادة بمعنى التأدية لا بمعنى التحمل.
والظاهر أن المراد بهذا الشاهد بعض ما أيقن بحقية القرآن وكان على بصيرة إلهية من امره فامن به عن بصيرته وشهد بأنه حق منزل من عند الله تعالى كما يشهد بالتوحيد والرسالة فإن شهادة الموقن البصير على أمر تدفع عن الانسان مرية الاستيحاش وريب التفرد فإن الانسان إذا أذعن بأمر وتفرد فيه ربما أوحشه التفرد فيه إذا لم يؤيده أحد في القول به أما إذا قال به غيره من الناس وأيد نظره في ذلك زالت