فأجاب الله عن ذلك بأنه سيأتيهم ولا يصرفه يومئذ عنهم صارف ويحيق بهم هذا العذاب الذي كانوا به يستهزئون.
وبما تقدم يظهر أن هذا العذاب الذي يهددون به عذاب دنيوي سيحيق بهم وينزل عليهم دون عذاب الآخرة، وعلى هذا فهذه الآية والتي قبلها يذكر كل منهما شيئا من ما تهوس به الكفار بجهالتهم فالآية السابقة تذكر أنهم إذا ذكر لهم البعث وأنذروا بعذاب يوم القيامة قالوا: إن هذا إلا سحر مبين، وهذه الآية تذكر أن الله إذا أخر عنهم العذاب إلى أمة وأخبروا بذلك قالوا مستهزئين: ما يحبسه.
قوله تعالى: (ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور) قال في المجمع: الذوق تناول الشئ بالفم لادراك الطعم، وسمى الله سبحانه إحلال اللذات بالانسان إذاقة لسرعة زوالها تشبيها بما يذاق ثم يزول كما قيل: أحلام نوم أو كظل زائل والنزع قلع الشئ عن مكانه، واليؤس فعول من يئس - صيغة مبالغة - واليأس القطع بأن الشئ المتوقع لا يكون ونقيضه الرجاء. انتهى.
وقد وضعت الرحمة في الآية مكان النعمة للاشعار بأن النعم التي يؤتيها الله الانسان عنوانها الرحمة وهى رفع حاجة الانسان فيما يحتاج إليه من غير استحقاق وإيجاب والمعنى: إنا إن آتينا الانسان شيئا من النعم التي يتنعم بها ثم نزعناها يئس منها واشتد يأسه حتى كأنه لا يرى عودها إليه ثانيا ممكنا وكفر بنعمتنا كأنه يرى تلك النعمة من حقه الثابت علينا ويرانا غير مالكين لها فالانسان مطبوع على اليأس عما أخذ منه والكفران، وقد أخذ في الآية لفظ الانسان - وهو لفظ دال على نوعه - للدلالة على أن الذي يذكر من صفته من طبع نوعه.
قوله تعالى: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرح فخور) قال في المجمع: النعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه والضراء مضرة يظهر الحال بها لأنهما أخرجتا مخرج الأحوال الظاهرة مثل حمراء وعيناء مع ما فيهما من المبالغة، والفرح والسرور من النظائر وهو انفتاح القلب بما يلتذ به وضده الغم - إلى أن قال: - والفخور الذي يكثر فخره وهو التطاول بتعديد المناقب وهى