مركومة مجتمعة ففصل بعض أجزائها عن بعض فجعلت أرضا في برهتين من الزمان وقد كانت السماء دخانا ففصلت وقضيت سبع سماوات في برهتين من الزمان.
وثانيا: أن ما نراه من الأشياء الحية إنما جعلت من الماء فمادة الماء هي مادة الحياة.
وبما قدمنا يظهر معنى الآية التي نحن فيها فقوله: (هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) المراد بخلقها جمع أجزائها وفصلها وفتقها من سائر ما يختلط بها من المادة المتشابهة المركومة، وقد تم أصل الخلق والرتق في السماوات في يومين وفي الأرض أيضا في يومين ويبقى من الستة الأيام يومان لغير ذلك.
وأما قوله: (وكان عرشه على الماء) فهو حال والمعنى وكان عرشه يوم خلقهن على الماء وكون العرش على الماء يومئذ كناية عن أن ملكه تعالى كان مستقرا يومئذ على هذا الماء الذي هو مادة الحياة فعرش الملك مظهر ملكه، واستقراره على محل هو استقرار ملكه عليه كما أن استواءه على العرش احتواءه على الملك وأخذه في تدبيره.
وقول بعضهم: إن المراد بالعرش البناء أخذا من قوله تعالى: (مما يعرشون) النحل: 68 أي يبنون كلام بعيد عن الفهم.
قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) اللام للغاية والبلاء الامتحان والاختبار، وقوله: (أيكم أحسن عملا) بيان للاختبار والامتحان في صورة الاستفهام والمراد أنه تعالى خلق السماوات والأرض على ما خلق لغاية امتحانكم وتمييز المحسنين منكم من المسيئين.
ومن المعلوم أن البلاء والامتحان أمر مقصود لغيره وهو تمييز الجيد من الردى والحسن من السيئ، وكذلك الحسنة والسيئة إنما يراد تمييزهما لأجل ما يترتب عليهما من الجزاء، وكذلك الجزاء إنما يراد لأجل ما فيه من إنجاز الوعد الحق ولذلك نجده تعالى يذكر كل واحد من هذه الأمور المترتبة غاية للخلقة فقال في كون الابتلاء غاية للخلقة: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) الكهف: 7، وقال في معنى التمييز والتمحيص: (ليميز الله الخبيث من الطيب) الأنفال: 37،