وقولهم: ما يحبس العذاب عنا، وقولهم: لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك، وقولهم: إنه افترى القرآن. وفيها بعض معارف أخر.
قوله تعالى: (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه) إلى آخر الآية، ثنى الشئ يثناه ثنيا كفتح يفتح فتحا أي عطفه وطواه ورد بعضه على بعض قال في المجمع: أصل الثنى العطف تقول: ثنيته عن كذا أي عطفته، ومنه الاثنان لعطف أحدهما على الاخر في المعنى، ومنه الثناء لعطف المناقب في المدح، ومنه الاستثناء لأنه عطف عليه بالاخراج منه، انتهى. وقال أيضا: الاستخفاء طلب خفاء الشئ يقال: استخفى وتخفى بمعنى، وكذلك استغشى وتغشى، انتهى.
فالمراد بقوله: (يثنون صدورهم ليستخفوا منه) أنهم يميلون بصدورهم إلى خلف ويطأطئون رؤوسهم ليتخفوا من الكتاب أي من استماعه حين تلاوته وهو كناية عن استخفائهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن حضر عنده حين تلاوة القرآن عليهم للتبليغ لئلا يروا هناك فتلزمهم الحجة.
وقوله: (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم) الخ، كأنهم كانوا يسترون رؤوسهم أيضا بثيابهم عند استخفائهم بثني الصدور فذكر الله سبحانه ذلك وأخبر أنه تعالى يعلم عند ذلك ما يسرون وما يعلنون فما يغنيهم التخفي عن استماع القرآن والله يعلم سرهم وعلانيتهم.
وقيل: إن المراد باستغشائهم ثيابهم هو الاستغشاء في بيوتهم ليلا عند أخذ المضاجع للنوم، وهو أخفى ما يكون فيه الانسان وأخلى أحواله، والمعنى: أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا من هذا الكتاب عند تلاوته عليهم، والله يعلم سرهم وعلانيتهم في أخفى ما يكونون عليه من الحال وهو حال تغشيهم بثيابهم للنوم، ولا يخلو الوجه من ظهور.
هذا ما يفيده السياق في معنى الآية، وربما ذكر لها معان أخر بعيدة من السياق منها قولهم: إن الضمير في (ليستخفوا منه) راجع إليه تعالى أو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنها قول بعضهم: (يثنون صدورهم) أي يطوونها على الكفر، وقول آخرين:
أي يطوونها على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير ذلك من المعاني المذكورة وهى جميعا معان بعيدة.