أن أصل الملاك وهو المر الذي يدور عليه الرضا والسخط والاثابة والمؤاخذة موجود فيهم. وقد وقع في الآية التفات من الغيبة إلى الغيبة بالنسبة إليه تعالى، والتدبر فيها يعطى أن الصل في السياق الغيبة وإنما تحول السياق في قوله: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) إلى التكلم مع الغير لكون المعترضة خطابا خاصا بالنبي صلى الله عليه وآله فلما فرع منه رجع إلى أصل السياق.
ومن عجيب ما قيل في الآية استدل بعضهم بها على التناسخ وهو أن تتعلق نفس الانسان بعد مفارقتها البدن بالموت ببدن واحد من الحيوان يناسبها في الخلق الرذيل الذي رسخ فيها كأن تتعلق نفس المكار ببدن ثعلب، ونفس المفسد الحقود ببدن الذئب، ونفس من يتبع سقطات الناس ولا تزال تنتقل من بدن وتعذيب بذلك هذا إن كانت شقية ذات أخلاق رذيلة، وإن كانت سعيدة تعلقت الموت ببدن سعيد منعم بسعادته من أفاضل أفراد الانسان ومعنى الآية على هذه: مامن حيوان من حيوان من الحيوانات إلا أمم إنسانية أمثالكم انتقلت بعد الموت إلى صور الحيوانات.
وقد ظهر مما تقدم أن الآية في معزل من هذا المعنى، على أن ذيل الآية: (ثم إلى ربهم يحشرون) لا يلائم هذا المعنى، على أن أمثال هذه الأقاويل من وضوح الفساد بحيث لا طائل في التعرض لها والبحث عن صحتها وسقمها.
ومن عجيب ما قيل فيها أيضا: أن المراد بحشر الحيوان موتها فلا بعث بعد ذلك أو مجموع الموت والبعث. أما الأول فينفيه ظاهر قوله: (إلى ربهم) إذ لا معنى للموت إلى الله، وأما الثاني فهو من لالتزام بما لا يلزم إذ لا موجب لضم الموت إلى البعث في المعنى، ولا أن في الآية ما يستوجبه.
قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات) إلى آخر الآية يريد تعالى أن المكذبين لاياته محرومون من نعمة السمع والتكلم والبصر لكونهم في ظلمات لا يعمل فيها البصر فهم لصممهم لا يقدرون على أن يسمعوا الكلام الحق وأن يستجيبوا له، ولبكمهم لا يستطيعون أن يتكلموا بالقول الحق ويشهدوا بالتوحيد والرسالة، ولإحاطة