(كلام في المجتمعات الحيوانية) والخطاب في الآية للناس، وقد ذكر فيها أن الحيوانات أرضيه كانت أو هوائية هي أمم مثال الناس، وليس المراد بذلك كونها جماعات ذوات كثرة وعدد فإن الأمة لا تطلق على مجرد العدد الكثير بل إذا جمع ذلك الكثير جامع واحد من مقصد اضطراري أو اختياري يقصده أفراده، ولا أن المراد مجرد كونها أنواعا شتى كل نوع منها يشترك أفراده في نوع خاص من الحياة والرزق والسفاد والنسل والمأوى وسائر الشؤون الحيوية فإن هذا المقدار من الاشتراك وإن صحح الحكم بمماثلتها الانسان لكن قوله في ذيل الآية:
(ثم إلى ربهم يحشرون) يدل على أن المراد بالمماثلة ليس مجرد التشابه في الغذاء السفاد والاواء بل هناك جهة اشتراك أخرى تجعلها كالانسان في ملاك الحشر إلى الله، وليس ملاك الحشر إلى الله في الانسان إلا نوعا من الحياة الشعورية التي تخد للانسان خدا إلى سعادته وشقائه، فإن الفرد من الانسان يمكن أن ينال في الدنيا ألذ الغذاء وأوفق النكاح وأنضر المسكن ولا يكون مع ذلك سعيدا في حياته لما ينكب عليه من الظلم والفجور أو أن يحيط به جماع المحن والشدائد والبلايا وهو سعيد في حياته مبتهج بكمال الانسانية ونور العبودية.
بل حياة الانسان الشعورية وإن شئت فقل: الفطرة الانسانية وما يؤيدها من دعوة النبوة تسن للانسان سنة مشروعة من الاعتقاد والعمل إن أخذ بها وجرى عليها ووافقه المجتمع عليه سعد في الحياتين: الدنيا والآخرة، وإن استن بها وحده سعد بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة معا، وإن لم يعمل بها وتخلف عن الاخذ ببعضها أو كلها كان في ذلك شقاؤه في الدنيا والآخرة.
وهذه السنة المكتوبة له تجمعها كلمتان: البعث إلى الخير والطاعة، والزجر عن الشر والمعصية، وإن شئت قلت: الدعوة إلى العدل والاستقامة، والنهى عن الظلم والانحراف عن الحق فإن الانسان بفطرته السليمة يستحسن أمورا هي العدل في نفسه أو غيره، ويستقبح أمورا هي الظلم على نفسه أو غيره ثم الدين الإلهي يؤيدها ويشرح له تفاصيلها.
وهذا محصل ما تبين لنا في كثير من الأبحاث السابقة وكثير من الآيات القرآنية