على اقتراحها تعرض منهم لهلاك جمعهم وقطع دابرهم، والدليل على أن هذا المعنى منظور إليه بوجه في الكلام، قوله تعالى في ذيل هذه الاحتجاجات، قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضى الامر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين) (الانعام ك: 58).
وفي قوله تعالى: (نزل) و (ينزل) مشددين من التفعيل دلالة على أنهم اقترحوا آية تدريجية أو آيات كثيرة تنزل واحدة بعد واحدة كما يدل عليه ما حكى من اقتراحهم في موضع آخر من كلامه تعالى كقوله: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، أو تكون لك جنة - إلى أن قال - أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه) الآيات (الاسراء: 93)، وقوله: (وقال الذين لا يرجون لقائنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا) (الفرقان: 21) وقوله: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) (الفرقان: 32).
وروى عن ابن كثير أنه قرأ بالتخفيف.
قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) إلى آخر الآية، الدابة كل حيوان يدب على الأرض وقد كثر استعماله في الفرس، والدب بالفتح والدبيب هو المشي الخفيف.
والطائر ما يسبح في الهواء بجناحيه، وجمعه الطير كالراكب والركب، والأمة هي الجماعة من الناس يجمعهم مقصد واحد يقصدونه كدين واحد أو سنة واحدة أو زمان واحد أو مكان واحد، والأصل في معناها، القصد يقال: أم يؤم إذا قصد، والحشر جمع الناس بإزعاج إلى الحرب أو جلاء ونحوه من الأمور الاجتماعية. والظاهر أن توصيف الطائر بقوله: (يطير بجناحيه) محاذاة لتوصيف الدابة بقوله: (في الأرض) فهو بمنزلة قولنا: ما من حيوان أرضي ولا هوائي، مع ما في هذا التوصيف من نفى شبهة التجوز فإن الطيران كثيرا ما يستعمل بمعنى سرعة الحركة كما أن الدبيب هو الحركة الخفيفة فكان من المحتمل أن يراد بالطيران حيث ذكر مع الدبيب الحركة السريعة فدفع ذلك بقوله: (يطير بجناحيه).